الجمهوريون لديهم مشكلة تتمثل في كون قاعدتهم أخذت تقتلهم. والواقع أن إعلان حاكم ولاية ميسيسيبي هالي باربر الاثنين الماضي عن نيته عدم الترشح للانتخابات الرئاسية ليس سوى أحدث مؤشر على أن الجمهوريين الواعين سياسياً باتوا يخشون أن يكون ناخبو حزبهم قد توغلوا وانغمسوا في عالم بعيد كل البعد عن الواقع لدرجة أن الفوز بدعمهم في الانتخابات التمهيدية العام القادم يمكن أن يجعل مرشحهم غير قابل للانتخاب في شهر نوفمبر. وفي هذا السياق، كتب دان بالز من الـ"واشنطن بوست"يقول إن "أصدقاء لباربر قالوا إنه خلص إلى أن الجمهوريين لن يستطيعوا الفوز إلا إذا ركزوا كلياً على القضايا الجادة، ولم تلههم عن ذلك بعض المواضيع الهامشية، مثل مكان ميلاد أوباما". والحال أن الجمهوريين عموماً باتوا مهووسين بمكان الميلاد، حيث أظهر استطلاع رأي أجرته "نيويورك تايمز" و"سي بي إس نيوز" الأسبوع الماضي أنه إذا كان 57 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن أوباما قد ولد في الولايات المتحدة مقابل 24 في المئة يعتقدون أنه لم يولد فيها، فإن 33 في المئة فقط من الجمهوريين يعتقدون أنه أميركي المولد في حين يعتقد 45 في المئة أنه لم يولد في الولايات المتحدة. ما يعني أن القطيعة الغاضبة والمجنونة لأنصار حركة الشاي مع الواقع قد طالت الحزب بأكمله. بيد أن ترامب ليس الوحيد في ذلك، فـ"قوانين الولادة" التي تُلزم المرشحين للانتخابات الرئاسية بتقديم شهادات ميلادهم بدأت تُطرح وتناقش عبر عدد من برلمانات الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون. ففي ولاية أوكلاهوما مثلاً هناك مشروع قانون من هذا النوع. وفي أريزونا، مرر برلمان الولاية مشروع قانون مماثلاً، لكن الحاكمة الجمهورية جان براور اعترضت عليه مستخدمة الفيتو ووصفته بأنه "عمل مبالغ فيه". والواقع أن براور ليست الوحيدة التي لديها مخاوف من هذا النوع. فهذا كارل روف، الذي يعد أدهى مخطط استراتيجي للحزب الجمهوري، قال لمشاهدي "فوكس نيوز" مؤخراً إن ترامب يوجد "هناك في اليمين المجنون" وإنه "مرشح أضحوكة" لأنه استسلم لأصحاب نظريات المؤامرات المتعلقة بميلاد أوباما. غير أن الأضحوكة قد يكون روف وأولئك الجمهوريون الواقعيون الذين يحاولون إيجاد طريقة لهزيمة أوباما في الانتخابات المقبلة. وإذا كان روف يريد حقاً وقف ترامب والمنشغلين بـ"مكان الميلاد" في مواقعهم، فقد كان يتعين عليه النظر إلى مشاهدي "فوكس نيوز" عبر الكاميرا مباشرة ونصحهم بأن يغيِّروا القناة. ومن الواضح أن تسخير منابر الرأي لخدمة الأغراض الحزبية، قد أحدث شرخاً بين جمهورها وبقية البلاد. ولو كان هذا الشرخ أيديولوجياً فحسب، لما طرح مشكلة بالنسبة للجمهوريين: فالانقسامات الأيديولوجية هي جوهر الحياة السياسة ولبها. غير أن الانقسام أخذ يتركز بين الجمهوريين من حزب الشاي والباقين الآخرين حول مسألة "التجريبية". وما على المرء إلا أن يشاهد "فوكس نيوز" أو يستمع إلى البرامج الإذاعية اليمينية، حتى يصدق أن الأميركيين وجدوا أسلحة دمار شامل في العراق، وأن الشريعة مفروضة على سكان ديربورن بولاية ميشيجن؛ وأن تغير المناخ أكذوبة، وأن أوباما يخاف قول الحقيقة بشأن ميلاده! وإذا أصبح تبني "نظريات الميلاد" هذه ضرورة للفوز بترشيح الجمهوريين، فإن حرب اليمين على النزعة التجريبية ستكون قد ساهمت ليس في بناء قاعدة وتعبئتها فحسب، وإنما أيضاً في عزل تلك القاعدة عن أغلبية الأميركيين وعن الواقع الأميركي نفسه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"