أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة يريدون مصادرة كل انجازات هذا الوطن المعطاء واختزالها في عريضة مشوبة بأسئلة لا متناهية ومطالب، أصلاً الحكومة بادرت بتفعيلها منذ سنوات، وهي مستمرة في المضي بها بتدرج وتأنٍ. والغريب في الأمر، أن البعض لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء، التي قد لا تتناسب مع أدنى درجات الولاء والإخلاص للوطن وقادته. نعيش في دولة القادة فيها يستمعون للبعيد قبل القريب ويسعون إلى الناس في تلبية مطالبهم وكافة احتياجاتهم قبل مبادرة الناس بها، والشواهد على ذلك كثيرة ولا نحتاج إلى ذكرها، لأنها تحجب العيون الفاقدة إلى البصيرة وليس البصر. لم تكن الإمارات يوماً ساحة لتجاذبات الأفكار التي لا تخدم إلا أجندات مشبوهة، لا تراعي حقاً للوطن فضلاً عن جرأة التطاول على رموز تعمل جادة لامداد الوطن بكل ما يساعد على نموه واستقراره وتجنبه الأزمات التي تواجه الأوطان الأخرى من حولنا. إن اتكاء هذا البعض على ما يجري في الساحة العربية من حراك وتغيير، لا يعني استخدامه شماعة ووسيلة لاختزال الوطن وابتزازه، لأن المبررات التي استدعت خروج الشعوب الأخرى على أنظمتها غير مطروحة ولا وجود لها في الدولة التي تدفع بالحصانات دائماً للحفاظ على إنجازاتها وشأنها عالياً. يبدو أن الوعي السياسي بالمرحلة الراهنة قد خان هذه الشريحة إلى درجة أن مؤهلاتهم الفكرية لم تسعفهم في حسن التدبير، حتى في انتقائهم لبعض الألفاظ والكلمات، التي لا تليق إطلاقها على أناس عاديين، فكيف إذا كان المقصود بذلك من هم حملة شعلة هذا الوطن نحو العالمية. لو وقع هؤلاء في خداع المقارنات دون الانتباه، أوالالتفات إلى المفارقات في حياة المجتمعات البشرية، فليس هناك مجتمع سواء كان أوروبياً أو أميركياً أو عربياً تتطابق فيه الظروف وعوامل التطوير الذاتي، فالعموميات والمشتركات لم تلغ يوماً الخصوصيات العملية والواقعية. ليس هناك مجتمع في العالم أجمع، يمكن التعامل معه على أساس واحد، فإذا كانت الديمقراطية كمطلب عام أصبحت تدغدغ أحلام وعقول البعض، فإن أرقاها وهي أميركا لا زالت تعاني من بعض النواقص في تطبيقاتها على أرض الواقع، وهي التي مضى على تفعيلها أكثر من قرنين. إن مقارنة الإمارات بدول أخرى مارست القمع مع شعوبها لعقود طويلة قادت إلى هذه الحالة التي لم تفصح عن نهايتها بعد، لظلم مركب وتعسف في إطلاق أوصاف في غير مكانها وإصدار أحكام مسبقة على مسيرة أعجزت الغرب عن وصف ما تم في الإمارات إلا بـ"المعجزة"، التي خطت بأناملها صفحة الدولة يفتخر الوافد والمقيم قبل المواطن بشرف الانتماء إليها روحاً وقالباً. دولة الإمارات لم تؤسس بخيوط من السياسة الملتبسة بالأيديولوجيا المفخخة، بل بالحِكم التي أرشدت كل السائرين على دربها نحو العلا، دون الالتفات إلى الخلف، أو الماضي الذي يعيق التقدم. فاليوم، يمر العالم العربي في منعطف تاريخي لم تتضح نتائجه بعد، وكل من يراهن على ذلك، فإن مصيره التوهان في بحر من الأفكار الخادعة، والتي قد تكون أقرب إلى السراب الذي لا يعترف به الواقع. إن الذي يريد أن يعرض الإمارات لتكون لقمة سائغة في فم كل من هب ودب، فإن دون ذلك خرق القتاد، ومن يتسلق السلم بالعرض ويتسلل لتنفيذ مآربه، فإن دولة القانون له بالمرصاد.