هل تعنينا نحن في العالم العربي، وبالأخص في الخليج، أزمة الاقتصاد الأوروبي؟ لقد انطلقت هناك حملات إنقاذ متتالية تم من خلالها حتى الآن ضخ 275 مليار يورو أو ما يعادل 370 مليار دولار في الاقتصادات الأوروبية التي تعاني من أزمة ديون، حيث توزع مبلغ الإنقاذ لتبلغ حصة اليونان منه 110 مليارات يورو وحصة إيرلندا85 مليار يورو وحصة البرتغال 80 مليار يورو. للإجابة على ذلك التساؤل يمكن النظر إلى مساهمة بريطانيا في عملية إنقاذ البلدان الأعضاء في اتفاقية "ماسترخيت" للعملة الأوروبية، علماً بأنها ليست طرفاً في هذه الاتفاقية أو في العملة الأوروبية المشتركة، حيث أثارت هذه المساهمة البريطانية في عملية الإنقاذ الأوروبية جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والمالية البريطانية بين مؤيد ومعارض. والحقيقة أنه لدى الطرفين مبرراتهم الخاصة بتأييد ورفض عملية المساهمة، فبريطانيا ليست عضواً في مجموعة اليورو، لكن الوجه الآخر للحقيقة هو أن الاقتصاد البريطاني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الأوروبي، باعتبار لندن المركز المالي الأول في العالم. لذلك، فإن انهيار اقتصاد أي بلد أوروبي سيشمل بتداعياته ليس الاقتصاد البريطاني وبقية الاقتصادات الأوروبية فحسب، وإنما اقتصاديات معظم بلدان العالم، بما فيها الاقتصادات العربية، على اعتبار أن جزءاً كبيراً من الصادرات النفطية لدول الخليج والبلدان العربية الأخرى تتجه إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. وإلى ذلك، فإن النسبة الأكبر من الاستثمارات العربية والخليجية تتمركز في الأسواق الأوروبية، حيث بقيت هذه الاستثمارات محافظة على معظم أصولها في أوروبا أثناء الأزمة، وذلك على العكس من الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة والتي تكبدت خسائر جسيمة جراء الأزمة المالية. هذه العلاقة في التأثير وتبادل المصالح هي التي تدفع في معظم الأحيان إلى المساعدة المباشرة وغير المباشرة في عمليات الإنقاذ المالي وتقديم الإعانات اللازمة في أوقات الأزمات. وإذا كانت مساهمة بريطانيا في عمليات الإنقاذ الأوروبية مباشرة بحكم عضويتها في الاتحاد الأوروبي، فإن مساهمة بعض البلدان الخليجية جاءت غير مباشرة من خلال ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصادات الأوروبية التي تعاني من صعوبات مالية. وتحمل هذه المساهمة الخليجية غير المباشرة العديد من دلائل النضج الاستثماري لدى متخذ القرار الخليجي، فأولاً يأتي هذا التوجه للحد من تباطؤ نمو الاقتصاد الأوروبي والذي يمكن أن يتسبب في انخفاض أسعار النفط ويقلل من عائداته في البلدان المصدرة، حيث ساهمت الاستثمارات الخليجية في تنشيط بعض الاقتصادات الأوروبية. وثانياً، فقد توافرت في اليونان وإيرلندا والبرتغال وفي بلدان أوروبية أخرى فرص استثمارية نادرة ومجدية بسبب انخفاض قيمة الأصول، مما سيحقق عائدات مجزية لهذه الاستثمارات في المستقبل. وفي هذا الصدد تنوي دولة قطر استثمار خمسة مليارات دولار في اليونان وحدها، مع دعوة يونانية لتسهيل المشاركة القطرية في تنفيذ مشاريع أخرى بقيمة تتراوح بين 5 و7 مليارات يورو، حيث أشار الرئيس اليوناني إلى أن الاستثمارات القطرية تفتح الطريق لتخطي الأزمة. وكدليل على صحة التوجهات الخليجية، أعلن بنك التنمية الصيني عن نيته الاستثمار في البلدان الأوروبية التي تعاني من صعوبات مالية. وبجانب علاقة تبادل المصالح بين مختلف الأطراف تكمن الكثير من التفاصيل التي زادت من الترابط بين الاقتصادات العالمية في ظل العولمة، وهو ما يضفي على عملية الإنقاذ الأوروبية بعداً أكبر من قضية إنقاذ "اليورو"، تلك الحملة الإنقاذية التي أضفت عليها العملة الأوروبية مضامين جديدة لابد من تسخيرها والاستفادة منها لتحقيق مكاسب إضافية من خلال وجود اليورو، كعملة منافسة للدولار الأميركي، مما يتيح خيارات أكثر استقراراً للمستثمرين في الأسواق العالمية.