بعد سياسات وقرارات، أبرزها الاشتراك في العمليات العسكرية في ليبيا، ظهرت تحليلات مفادها أنّ مذهب إدارة أوباما، في السياسية الخارجية، لا يختلف عن سلفه بوش. وعلى سبيل المثال، يقول مايكل غيرسون في "واشنطن بوست"، إنّ "سياسة أوباما الخارجية تتطور تدريجياً باتجاه رؤى سلفه"، ثم يضيف: "قللت استراتيجية الأمن القومي الخاصة بأوباما للعام 2010، من أهمية القوة الوقائية، ونأت عن لغة (الحرب) على الإرهاب. لكن أوباما أضاف 30 ألف جندي أميركي في حرب أفغانستان، استناداً لنظرية إنّه (من هنا هوجمنا في 11/9، وربما تجري الآن هناك مؤامرة لمهاجمتنا)، وقد زاد كثيراً من طنين الضربات في باكستان واستمر في احتجاز إرهابيين في خليج جوانتنامو، مستخدماً ذات النظريات القانونية التي استخدمتها إدارة بوش. معارضة أوباما للاستباقية تتضمن فقط انتقاده لحرب العراق الذي عبّر عنه منذ سنوات". ما يتحقق الآن في العالم العربي، كان ليبدو نجاحات تسجّل للرئيس السابق لو حدث في عهده. لقد كان مذهب بوش وإدارته، يتضمنان أفكاراً أهمها نشر الديمقراطية والقيم الأميركية، واستخدام القوة العسكرية لذلك... بل تغيير الأنظمة في الدول الأخرى إذا ما كانت لا تنسجم والمقاييس الأميركية المعتمدة، بمعنى أنّه حتى إذا كان النظام حليفاً، فلابد أن يخضع لشروط معينة في إدارته لشؤونه الداخلية، بما يضمن استقراره وعدم نمو عوامل الإرهاب والتطرف. كذلك جرى تغيير تعريف "الاستباقية" وتوسيعه. فالتعريف الكلاسيكي في العلاقات الدولية للاستباقية يعتبرها "عمليات لمنع خطر حتمي وشيك"، أمّا الحرب الاستباقية حسب بوش فهي "لمنع خطر كبير محتمل". سياسة أوباما مختلفة عن سياسة بوش. لم تكن ردود أفعاله إزاء انتخابات إيران وما تلاها من توترات، ثم أحداث مصر وتونس واضحة وحاسمة، وهذا بحد ذاته دليل على أنّه يفضل مذهب الواقعية السياسية حيث لا يتدخل كثيراً في شؤون الدول الأخرى، ويركز على سياساتها الخارجية وتناغمها مع المصلحة الأميركية. وهو يخشى من الآثار العكسية لتدخل أميركي في دولة ما. من هنا يتضح عدم إيمانه بفكرة نشر المبادئ الأميركية بالقوة، وعدم استخدامه للاستباقية بتعريفها الجديد. أمّا بشأن تدخله في ليبيا، فلم يكن ذلك استغلالاً لفرصة سانحة، كما فعل رامسفيلد عندما استغل ضربات 11 سبتمبر 2001 لإيجاد فرصة لمهاجمة العراق وتنفيذ أجندته هناك. في ليبيا بدت القيادة الأميركية للعالم مهددة، إذ أن المجازر التي حدثت كانت تهدد بفضيحة كبرى للمجتمع الدولي، خصوصاً وقد جرت مطالبات دولية وعربية للتدخل. هذا تدخل اضطراري، وحتى إن كان فيه محاولة لتحقيق مصالح أميركية، لكن ذلك يبدو نوعاً من إدارة الأزمات، بعكس الإدارة السابقة التي كانت تخلق الأزمات وتحولها لفرص. إلى ذلك يفشل أوباما في حفز مشاركة أوروبية فاعلة في إطار حلف "الناتو"، ويفشل في إعادة بناء تحالفات واشنطن الأوروبية. وحتى الآن لا تبدو القوة العسكرية الأميركية حاسمة، ما لا يعيد لهذه القوة مصداقيتها التي فقدتها في أفغانستان والعراق. وهذا يعني أن أوباما لم ينجح في إعادة القبض على زمام القيادة الأميركية للعالم. أوباما ليس بوش، لكنه كسلفه، يفشل في تأكيد القيادة الأميركية للعالم.