بعض أبناء الوطن لا يعجبهم وطنهم، بعضهم يقارنون وطنهم بأوطان أخرى ربما كانت أسوأ حالاً من وطنهم. ومن هذه المقارنة ينطلقون في مواقفهم ومطالباتهم التي تصل إلى "التغيير الشامل" و"الإصلاح الكامل"، وهم لا يدركون أن المقارنة لا تكفي في هذه الحالات ومع مثل هذه المطالبات، فعليهم قبل ذلك أن يكونوا قد قرؤوا التاريخ وعرفوا الجغرافيا. البعض يزايدون على الوطن ويزايدون على رجاله، بحجة أنهم يريدون إصلاحاً وأنهم يسعون إلى تغيير، لأنهم يعتقدون أن الإمارات تأخرت كثيراً في ذلك... فماذا يريد هؤلاء؟! وإلى ماذا يسعون؟ ومن يمثلون؟ وما هو ثقلهم بين شعب الإمارات؟ وما مدى تأثيرهم في الشارع الإماراتي؟ ولماذا يتحركون الآن؟ ولماذا نشاطهم في تزايد هذه الأيام؟ ومن وراءهم ومن أمامهم؟ وإلى أين يريدون أن يصلوا؟ أسئلة كثيرة يثيرها المواطن الإماراتي الذي تفاجأ بوجود فئة من المواطنين لم تظهر إلا في هذا التوقيت الصعب الذي تواجه فيه المنطقة تحديات كثيرة تحتاج إلى كثير من العمل والتجرد. وبدون مقدمات أو أسباب صارت تهاجم قيادة البلد ورموزه عبر المواقع الإلكترونية. البعض ممن قام بالتحريض ورفع بعض المطالبات اعتقد أن مطالبه "تاريخية"، ونسي هؤلاء أن هناك طريقين لدخول التاريخ وليس طريق واحد! البعض يعتقد أن ما يصلح لبلد ما يصلح لبلده وأن ما يفيد في وقت ما يمكن أن يكون مفيداً دائماً. وتبقى النقطة المهمة هي أن من يريد الإصلاح لابد أن يسعى إلى تحقيقه بالطرق السلمية والصحيحة والقانونية، أما اعتماد أسلوب التحريض المباشر وغير المباشر وأسلوب الإثارة وتهييج الرأي العام، واستغلال بعض المشكلات وتضخيمها للعامة وكأنها كوارث إذا لم يتم إيجاد حلول لها اليوم فإنها ستدمرنا غداً! فهذا ما لا يقبله المجتمع. عندما لا يحدث التغيير من داخل البلد وبإلحاح من الشعب فهذا يعني بالضرورة أن وقت التغيير لم يحن بعد، وأن الفرصة ما تزال متاحة للتفكير والحوار والعمل من أجل الوصول إلى الهدف المنشود. أما الاستعانة بالخارج لإحداث التغيير بالقوة فهي استعانة بالشيطان من أجل تغيير لن يحقق أهدافه ولن يرضي طموح الجميع… وإصرار المجموعة على التغيير من خلال الاستعانة بالخارج يبدو خياراً مريباً. وفكرة ركوب موجة التغيير دون الانتباه من أين أتت وإلى أين تتجه والوقت الذي أتت فيه تبدو فكرة غير موفقة لمن قرر ركوب تلك الموجة في هذا التوقيت. التغيير سنّة الحياة... وما يحدث اليوم حولنا في المنطقة شيء يجعلنا نشعر بأننا جيل محظوظ لأننا نعيش أياماً تاريخية، ونشهد أحداثاً ستتكلم عنها الأجيال طوال قرون قادمة، والإمارات كجزء فاعل في المجتمع الدولي ومؤثر على المستوى الإقليمي تدرك أنه من المستحيل أن تمر هذه الأحداث دون أن تتأثر بها، وتستفيد منها، ويبدو واضحاً التحرك الرسمي في مواكبة التغيرات التي تشهدها المنطقة، ولن يمر هذا الوضع دون أن تستفيد منه الإمارات وتتقدم خطوات إلى الأمام وتحقق آمال وتطلعات المواطنين، سواء في مسالة المشاركة السياسية، أو مسألة الانتخابات البرلمانية وتوسيع نطاق المشاركة فيها، بالإضافة إلى تدارك بعض سلبيات الماضي وخصوصاً في مسألة الاهتمام بالجانب المحلي على حساب الجانب الاتحادي، وتوظيف الخريجين المواطنين، وكذلك قضية التركيبة السكانية التي تشغل بال جميع المواطنين وزاد قلقهم منها تأثيراتها بعد التغييرات العالمية والإقليمية الأخيرة. في بلد أسسه الشيخ زايد رحمه الله ويحكمه الشيخ خليفة ويعينه أخوه الشيخ محمد بن زايد، ما الذي يجعل البعض يستعجل الأمور ويريد قطف الثمار قبل أن تنضج؟! لقد قدم حكام الإمارات الكثير لبلدهم، ولأبناء شعبهم، وما يزالون مستعدين للعمل والعطاء. أما أن يخرج من يصف ما يأمر به رئيس الدولة لشعبه في الإمارات بأنها "رشاوى اقتصادية"، فذلك أسوأ ما قيل في حق هذا الوطن، وأكثر العبارات وأكثر الأفكار عدوانية وجحوداً، لذا لا نستغرب عندما نرى الغضب الشعبي على من قال تلك العبارة ومن رددها ومن روج لها ومن دافع عن قائلها أيضاً. ومن الطبيعي أن يغضب كل إماراتي شريف مما قيل ليس في حق رئيس الدولة بل في حق شعب بأكمله اعتبرت تلك المجموعة أنه شعب مرتش! فهذا ليس كلام أبناء الإمارات حتى وإن كانت لهم ملاحظاتهم وآراؤهم المعارضة. كثير من المواطنين من مثقفين وغيرهم مقتنعون جميعاً بأن السلم الاجتماعي الذي يتميز به مجتمع الإمارات هو أهم ما يجب المحافظة عليه وخصوصاً في هذا الوقت الحرج، ويرون أن ما قامت به تلك المجموعة من المواطنين من تحريض وتطاول على رموز البلد يعرض استقرار المجتمع والسلام الاجتماعي الذي طالما تميز به شعب الإمارات لخطر حقيقي. إن حكام الإمارات كانوا دائماً شيوخَ كرمٍ وشهامةٍ وإخلاصٍ، قدموا الكثير لهذا الوطن وأبنائه في جميع إماراته ولا ينكر ذلك إلا جاحد ولا يمكن مقارنة حكام الإمارات وحكومتها بأية حكومة أخرى في المنطقة فيما قدمته للوطن والمواطن... أما من يريدون التركيز على السلبيات وتضخيمها، فلابد أنهم لا يعرفون أن "لكل شيء إذا ما تم نقصان" فلا شيء كامل إلا وجه الله، فالجميع في هذا الوطن يعمل ويسعى، يخطئ مرة ويصيب مرات، والأخطاء موجودة وليست قليلة ولكن ليس هذا وقت إثارتها بالطريقة التي نراها. فتضخيم الأخطاء في وقت الشدائد ليس من الشجاعة ولا الإنصاف ولا الحكمة، كما أن استغلال الظروف للّي الذراع والحصول على مكتسبات أكثر، ليس من أخلاق الرجال، لقد اعتقد البعض أن الظروف الحرجة، والفوضى السياسية التي تمر بها المنطقة، هي الفرصة التي لا تعوض للضغط على الحكومة لانتزاع المطالب، لقد أخطأ هؤلاء وخسروا احترام الشعب، فلقد علمنا الشيخ زايد رحمه الله أن نكون يداً واحدة في وقت المحن والشدائد، وأن نقف صفاً واحداً مع القيادة حتى تزول المحنة وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث، فكيف فكّر وقدّر أولئك الذين انشقوا عن الصف، وخرجوا ليواجهوا الوطن في وقت فيه الوطن بأمس الحاجة إلى كل واحد منهم؟! إن أولئك القابعين في قعر السفينة الذين اختاروا أن يكونوا في هذا المكان يعتقدون أنهم من ذلك الشق الصغير يستطيعون أن يروا كل شيء، وأن لا أحد يعلم أنهم يعملون في الخفاء لإحداث ثقب في السفينة، قد يدركون وقد لا يدركون أن ذلك الثقب سيؤدي إلى غرقهم قبل غرق السفينة ومن عليها... كما أنهم لا يعرفون أن أبناء الإمارات لن يسمحوا لهم بتخريب اتحادهم، وحلمهم وسيفعلون أي شيء لمنع ذلك.