إلى ساعة كتابة هذا المقال، ما يزال الموقف في اليمن بالغ الغموض، فالأخبار الأخيرة تشير إلى أن المعارضة اليمنية لم يتوحد موقفها حول الاتفاق الذي توصل إليه مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس علي عبدالله صالح، والقاضي بتنحيه عن سدة الرئاسة خلال ثلاثين يوماً وتسليمها لنائبه. وإن قبلت سبعة من أحزاب المعارضة بذلك المقترح، فإنه لم يحظ بموافقة جماهير المحتجين الذين أعلنوا رفضهم هذا الحل، وذهبوا أبعد من ذلك بإعلانهم أن الذين تفاوضوا مع ممثلي مجلس التعاون لا يمثلونهم، ولن يستطيعوا إسقاط نظام الرئيس صالح ومحاسبته على ممارساته، وأنهم لا يثقون في تعهدات الرئيس، قائلين إن موقفه مجرد مناورة لكسب الوقت. قد تنفرج العقدة اليمنية أو يتصاعد الاحتجاج وتستمر أعمال القتل ضد المحتجين. لكن مهما حدث فإن سؤالاً ظل يلح منذ ثورة تونس وبعدها ثورة مصر وما أعقبهما من احتجاجات في ليبيا واليمن وسوريا: ما الذي جرى لأولئك "الثوار" الذين تسلموا مقاليد السلطة في بلادنا وهم شباب يبدون واعدين ومبشرين بمستقبل أفضل لبلادهم وشعوبهم؟ كنت وما زلت معنياً بمراجعة مسيرة ثلاثة منهم: علي عبدالله صالح، معمر القذافي، وبشار الأسد. فصالح قفز إلى السلطة في مرحلة تاريخية أعقبت ثورة أسقطت حكم الأئمة (بيت حميد الدين) الذي قفل اليمن وحبسه في القرون الوسطى، وفرح الناس بقيام الجمهورية اليمنية لأن اليمن في المخيلة العربية كان دائماً هو أصل العروبة وحاضرها. والشعب اليمني كان دائماً عندنا نموذجاً لكل ما هو إيجابي في حياتنا وتاريخنا. واليمنيون الذين هجروا اليمن السعيد وذهبوا بعيداً، أصبح أكثرهم عنواناً للجد والعمل، بل نجح بعضهم نجاحاً عظيماً. لقد تحققت الوحدة اليمنية في عهد الرئيس صالح، ومارس اليمنيون الديمقراطية أكثر من بعض البلاد العربية السابقة عليهم. لكن بعد 32 عاماً من حكم العقيد صالح، ومع انفجار الانتفاضة الشعبية الحالية، تكشفت حقائق الواقع العصيب لليمن الذي دأبت التقارير الدولية خلال الأعوام الأخيرة على التحذير من مخاطر انهياره. اليمن الآن هو إحدى نقاط الضعف الأخطر في جسد الأمة العربية، ولعل الحل الوسط الذي بلوره مجلس التعاون الخليجي ينبغي أن ينظر إليه المعارضون اليمنيون، الموافقون والرافضون، على أنه فرصة تاريخية لاستعادة اليمن وإنقاذه قبل السقوط. ولو أن الرافضين المعسكرين في قلب صنعاء، تدبروا الأمر ونظروا لحقائق الأشياء في بلدهم وحولوا هذه الانتفاضة الشعبية إلى حركة سياسية راشدة، لأمكنهم أن يقودوا اليمن بسلام إلى الديمقراطية والحرية والعدالة وحكم الانتخابات وإعادة عرى الوحدة اليمنية. اليمن عزيز على الأمة العربية جميعاً، والدماء اليمنية أغلى من أي شيء، وفي عالم اليمن يمكن للناس أن يحققوا مطالبهم وينتزعوا حقوقهم التي يكفلها لهم الدستور والقانون دون سفك الدماء، وأن يسترشدوا بتجارب من سبقوهم وهم ينظرون إلى المستقبل. أكتب هذا المقال بينما الأمور في اليمن ما زال الغموض يلفها، ومصير اتفاق السلام الخليجي معلق بتوحيد كلمة اليمنيين المعارضين، لكن أكثر ما أحزنني حقاً عند مراجعة سيرة الرئيس الذي كان شاباً واعداً، ما جاء في الاتفاق أنه طلب أن تضمن له دول المجلس وأسرته الأمان... الأمان ممن؟ من شعبه! وتلك لعمري مأساة تتعدى شخص الرئيس صالح لتشمل كثيراً من "الثوار" الذين بدؤوا مسيرة حكمهم وهم شباب يبشرون بالوعد والأمل المرجو، لينتهوا إلى طلب "الأمان" من شعوبهم! ------------------- عبدالله عبيد حسن