معدلات الطلاق في دول الخليج العربية تنذر بالخطر وهي تتصاعد في ظل المتغيرات المتسارعة التي أصابت البنيان الأسري بالتصدع، إذ تذكر الإحصائيات معدلات تصل إلى 45 في المئة في بعض دول الخليج، ولا أستبعد أن يكون المتوسط العام للطلاق الخليجي نحو 40 في المئة، وهو معدل -على أي حال- مخيف ومزعج ومقلق. ورغم أن المؤسسات المعنية في دول الخليج لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الظاهرة؛ إذ اتخذت العديد من التدابير والإجراءات والتشريعات بهدف الحد من ظاهرة الطلاق واحتوائها، إلا أن نسب الطلاق في ارتفاع، وبالرغم من كل الجهود المبذولة، يشخص الخبراء والباحثون في قضايا الأسرة أسباب الطلاق في أمور عديدة منها: 1- أمور تتعلق بعدم التكافؤ بين الزوجين: اجتماعياً أو ثقافياً أو تعليمياً أو أخلاقياً أو دينياً أو عمرياً، ومعروف أن الفقهاء القدامى فصّلوا في مسألة "الكفاءة" كعنصر مهم لديمومة الحياة الزوجية. 2- أمور تتعلق بالطباع والسلوك الشخصي للزوجين؛ من سوء العشرة وسوء الخلق واستخدام العنف والشراسة في التعامل والمخدرات والخيانة الزوجية. 3- أمور تتعلق بمسألة تعدد الزوجات (بالشكل التعسفي والخاطئ الذي يمارسه البعض) والزواج المبكر (الذي يُفتقد فيه النضج وتحمل المسؤولية الزوجية) وتدخلات الأهل والأقارب. 4- أمور تتعلق بالعوامل المادية، كبخل الزوج وعدم قيامه بمسؤولياته المادية، وتبذير الزوجة وولعها بالمظاهر وحبها للإسراف والبذخ لدرجة دفع الزوج للاقتراض وتراكم الديون. 5- انشغال المرأة بعملها الخارجي على حساب البيت والزوج والأولاد، واستقلال المرأة الاقتصادي وهو الطارئ الذي اقتضته ضرورات التنمية ومشاركة المرأة المجتمعية في حمل أعباء التنمية. 6- مفاهيم دينية خاطئة لدى بعض الأزواج الذين يعتقدون أن مفاهيم "القوامة" و"ولاية التأديب" و"وجوب طاعة الزوجة لزوجها"، تعطيهم الحق المطلق في إخضاع الزوجة واستعبادها. هناك مفهوم مغلوط يشيع عند العامة بأن من حق الرجل أن يضرب زوجته تأديباً، لأن القرآن أعطاه هذا الحق، فهو يضرب زوجته ويفتري على الله تعالى. وهناك أحاديث مكذوبة تروّج عبر وسائل الإعلام لترسيخ هذه المفاهيم المشوّهة، منها: "لا يُسأل الرجل فيم ضرب زوجته" و"علق سوطك حيث يراه أهلك". وقد اغترّ الكاتب أنيس منصور وروّجه في عموده اليومي باعتباره حديثاً نبوياً... هؤلاء -للأسف- لم يقفوا لحظة ليتساءلوا: كيف يستقيم هذا الفهم السقيم والآية القرآنية الصريحة "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"! كيف يستقيم مفهوم إهانة الزوجة وأقواله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله" و"ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم"، و"رفقاً بالقوارير"، "ألا فاستوصوا بالنساء خيراً"... والذي حرص (عليه الصلاة والسلام) أن تكون آخر وصياه للرجال؟! 7- مفاهيم ثقافية خاطئة: هناك فهم مغلوط يشيع لدى بعض الأوساط الاجتماعية مؤداه، أن المرأة خلقت عوجاء فلابد من ضربها لتعتدل، وأن المرأة -في قرارة نفسها- تحترم الزوج "الحمش" أي الذي يضربها ولو اشتكت -ظاهرياً- منه. بل هناك روايات وحكايات رائجة تتحدث عن زوجات يفاخرن بشدة أزواجهن ورجولتهم. وفي الأمثال الشعبية: اكسر لها ضلع يطلع لها ضلعان... إلخ! وفي إطار احتواء ظاهرة الطلاق ومحاصرتها وتسليط الأضواء على السياسات الوطنية المتخذة والمقترحة لمعالجة الطلاق في قطر، نظّم المجلس الأعلى لشؤون الأسرة اجتماعاً للخبراء المعنيين بالموضوع، وكانت لي مشاركة في التعقيب على بعض الأوراق ركزت فيها على العلاجات الوقائية، ومنها: 1- العلاج الاجتماعي: الاختيار السليم للزواج يضمن تقليل الطلاق، إذ أثبتت الدراسات أن حسن الاختيار عامل أساسي في استقرار الحياة الزوجية، لكن الواقع المعاش لا يتيح الفرص الملائمة لتحقيق مثل هذا الاختيار بسبب معوقات اجتماعية راسخة ترجع إلى سطوة التقاليد والأعراف الحاكمة، رغم الانفتاح الذي تشهده المجتمعات الخليجية وعلى درجات متفاوتة. 2- العلاج التشريعي: لا زالت تشريعات الأسرة في الخليج، وبالرغم من تطورها وتوجهها نحو تضييق دائرة الطلاق عبر رفع سن الزواج، وعدم الاعتداد بأنواع من الطلاق كانت مشروعة لدى جمهور الفقهاء القدامى مثل الطلاق البدعي أي الطلاق في الحيض أو في طهر مسها فيه، أو الطلاق المعلن أو المضاف إلى المستقبل، أو طلاق السكران، وأيضاً اعتبار الطلاق الثلاث واحداً... إلا أن التشريع الخليجي لا يزال يعد الطلاق حقاً مطلقاً للرجل لا ينازعه فيه أحد، بحيث أن من حق الرجل قانوناً أن يطلق زوجته لأي نزوة عابرة ويرمي بها في الشارع، بل إن التشريعات العربية عامة والخليجية خاصة تجعل طلاق الرجل لزوجته ولو مازحاً أو سهواً أو خطأ، طلاقاً واقعاً اعتماداً على حديث مكذوب: "ثلاث جدُّهُن جِدٌ، وهزلهن جدّ: الطلاق والنكاح والعتاق"، في تناسٍ تامٍ للميثاق الغليظ الذي لا يمكن أن يُنقض إلا بمثله، وفي تجاهل للآية التي تشترط العزم في الطلاق (وإن عزموا الطلاق). لقد طالب المصلحون بتقييد الحق المطلق للرجل في الطلاق بأن يكون أمام القاضي حتى نمنع التعسف ونقي الأسرة التشرد، لكن التشريع الخليجي لا زال أسيراً للقدماء. لقد أعجبتني دعاية لسلعة تقول: "مشاكل اليوم ما بده حل امبارح". 3- العلاج الثقافي الديني: عبر منابر التعليم والمسجد والإعلام والتربية، يهدف إلى تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الحياة الزوجية وفن التعامل الأسري، إذ لا يمكن الحد من الطلاق أو على الأقل التخفيف من قسوته إلا بثقافة مجتمعية جديدة، فعائلة تعيسة تعني مجتمعاً تعيساً.