مما يلفت النظر بالنسبة لأداء إدارة أوباما، أنها- وهي الإدارة التي تفتقر إلى فلسفة متسقة للسياسة الخارجية- قد طورت، على الرغم من ذلك، نمطاً في تلك السياسة يمكن التنبؤ به. فإذا افترضنا على سبيل المثال أن ثورة شعبية قد اندلعت في بلد ما، فإن الذي يحدث كل مرة هو أن الرئيس يبدو وكأنه قد بوغت بتلك الثورة أو أُخذ على حين غرة وعندما يفيق من المفاجأة فإنه لا يقول إلا القليل. وبعد ذلك بعدة أيام يخرج المتحدث الرسمي باسم الإدارة ليدعو نظام ذلك البلد الذي اندلعت فيه الثورة إلى" الإصلاح". وعندما تمر عدة أيام وتتصاعد الاحتجاجات ويتزايد العنف، تدخل الإدارة في سجال داخلي تتسرب تفاصيله إلى وسائل الإعلام وعندها يقرر الرئيس أن الوقت قد حان كي يفعل شيئاً. ولكن نظراً لأنه يأمن أن يظل سقف التوقعات بشأن ما يقوم به منخفضاً، فإن أفعاله عادة ما تكون محدودة من حيث النطاق. عند هذه النقطة تكون الولايات المتحدة قد فقدت فرصة استراتيجية وتبدو الاحتجاجات المندلعة في الدولة المعنية، وكأنها قد تعرضت للخيانة من قبل الإدارة الأميركية. وهذا السجل من التردد الدائم أضر ضرراً بالغاً بالمصالح الأميركية. ففي ليبيا انتظر أوباما حتى أوشكت بنغازي على التعرض لمذبحة دموية على أيدي قوات القذافي قبل أن تبدأ في الاستجابة تدريجياً لخطورة الموقف. لقد وضع أوباما المصداقية الأميركية في ليبيا على المحك ـ وقام في النهاية بدعم تغيير النظام ـ في نفس الوقت الذي اتبع فيه سياسات تبدو وكأنها مصممة خصيصاً لإيصال الموقف إلى مرحلة الجمود أي تلك المرحلة التي لا تميل فيها الكفة لطرف من طرفي النزاع دون الآخر. وفي سوريا، تدعو الإدارة النظام السوري لإجراء"إصلاحات ذات معنى" في الوقت الذي يقوم فيه هذا النظام باستخدام القوة الباطشة ضد حشود المحتجين. بصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية، ألا يرى أكثر البراجماتيين في واشنطن منطقية وهدوءا فائدة في الإطاحة بحليف إيران الرئيسي في الشرق الأوسط؟ لم يعد من المنطقي إرجاع هذه الإخفاقات إلى نقص الخبرة. فالمبتدئ وعديم الخبرة يستطيع التعلم من أخطائه ولكن المشكلة أن أوباما، على ما يبدو، لا ينظر إلى تلك المواقف من جانب إدارته على أنها أخطاء. في هذه الحالة قد يجوز لنا التساؤل: ما الذي يشرح إذن هذا الميل الواضح لدى إدارة أوباما للتردد وعدم الحسم؟ أولاً هناك السياق السياسي، لحملة أوباما الانتخابية عام 2008 فكل شيء كان يعتنقه جورج بوش كان أوباما يدعو في إطار هذه الحملة إلى عكسه فبوش كان يدعو للترويج للديمقراطية، وأوباما كان يقلل من قيمة ذلك. وفي حين كان بوش ينادي الأعداء للقتال، فإن أوباما يميل إلى مهادنتهم، وفي حين أن بوش كان يتسم بسرعة القرار والحسم (حتى لو كان حسم بوش من النوع الذي يضيع مصداقية فكرة الحسم ذاتها) فإنه كان من الطبيعي أن يتسم أوباما بالتروي الزائد الذي كان يبطئ من استجاباته الحاسمة في كل أزمة يواجهها. ثانياً، هناك نمط أوباما القيادي. فهو لا يزال يتصرف بنفس الطريقة التي كان يتصرف بها عندما كان أستاذاً جامعياً لديه وقت فائض كي يغربل خياراته ويناقش تفصيلاته دونما عجلة، وكأن المداولات المطولة ميزة وكان التردد لا يكلف شيئاً. ثالثاً، إن فريق الأمن القومي للإدارة لم يفعل سوى القليل لمواجهة ميل أوباما الطبيعي للتذبذب، وذلك لانشغالهم بأمور أخرى منها الاستراتيجية، والحرب في أفغانستان، والتدخل الأميركي في أماكن مختلفة من العالم، أو بالتطورات اليومية للسياسة الخارجية. رابعاً، وأخيراً، إن أوباما وفيما يتعلق بمسائل السياسة الخارجية، يبدو أنه قد نهل كثيراً حتى ارتوى من بئر الليبرالية الأكاديمية بحيث بات يتصرف في كثير من الأحيان، وكأنه يقف وسط قاعة جامعية تضج بطنين المناقشة، وليس كرئيس مكلف بالدفاع عن، وترقية، القيم الأكثر نبلاً في التاريخ. في حالتنا، ساهم خليط من كل تلك العناصر في جعل إدارة أوباما غافلة تماماً عن الوعد الذي يقدمه عصرنا وهو إنهاء الطغيان، في المراكز التقليدية التي كان يزدهر فيها نفوذنا الثقافي وهي القاهرة، وبغداد، ودمشق، وهو تحول جذري سيكون تأثيره مماثلاً لتأثير سقوط جدار برلين، حيث إنه يظهر مدى الإنهاك الذي صارت عليه الأنظمة السلطوية ويفتح نافذة الأمل أمام تبلور مجتمعات أكثر نجاحاً وأملاً في المنطقة. وليس هناك أدنى شك أن هذا التحول الجذري ينطوي في طياته على مخاطر جمة، ولكن ما نراه أمامنا أن هذه المخاطر يجري تضخيمها من قبل إدارة لا تتوافر لديها الرغبة في تحمل المخاطر، ولا تريد أن تتكلم وتتصرف إلا في حالة واحدة فقط وهي عندما يكون من الواضح أن الصمت وانعدام الحركة سوف يجلب كارثة مؤكدة. والآن نجد أن الثورات العربية قد أنتجت رد فعل كان ممكناً التنبؤ به وهو محاولة الأنظمة التي هبت الشعوب ضدها مثل النظامان الحاكمان في ليبيا وسوريا إثبات فعالية الوحشية. ونجاح تلك الأنظمة في تلك المحاولة سوف يقوض المصالح الأميركية في المنطقة لعقود قادمة. والإدارات الرئاسية قد لا تكون بحاجة إلى اختيار تحدياتها التاريخية، ولكن مما لا شك فيه أنها يجب أن تدرك أنها مطالبة وبحزم باتخاذ موقف. مايكل جيرسون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"