من الخرافات التي يتمسك بها "الجمهوريون" وترتقي عندهم إلى مستوى الاعتقاد الراسخ أن أوباما وُلد خارج الولايات المتحدة، وبالتالي لا يحق له تولي منصبه بحسب الدستور الأميركي، لكن هناك أيضاً معتقدات أخرى تقترب من الخيال وتعتبر أكثر خطورة من التشكيك في مكان ولادة أوباما أهمها على الإطلاق الزعم بأن الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية التي باتت ملحوظة للجميع ليست من صنع البشر وإنما فقط ظاهرة طبيعية لا يجب القلق بشأنها، هذا بالإضافة إلى الفكرة الراسخة لدى "الجمهوريين" بأن الضرائب لا يمكنها أبداً أن ترتفع، وأن مسارها الطبيعي وفي جميع الأحوال هو الانخفاض سواء كانت البلاد تعاني من عجز أو من فائض، ولا يعني ذلك أن الحلول التي يقترحها "الديمقراطيون" صائبة دائماً بشأن ظاهرة التغير المناخي والسياسة الضريبية بالولايات المتحدة، إذ يمكن المجادلة لصالح رفع الضرائب، أو إنكار الاحتباس الحراري بإرجاعه إلى الطبيعة بدل النشاطات الإنسانية الملوثة للبيئة، لكن مع ذلك من الصعب الدخول في نقاش صحي مع "الجمهوريين" الذين يؤمنون إيماناً أعمى بتصوراتهم ولا يقبلون مناقشتها أو التشكيك فيها، فعندما أقدم بوش الابن على خفض الضرائب كجزء من سياسته العامة، لم يكن الهدف تقليص التكاليف لأن الموازنة في العام 2001 كانت تعرف فائضاً مالياً لا يستدعي خفض الإنفاق الحكومي، بحيث بدا أن ما يحرك إدارة بوش هي الأيديولوجية المحافظة التي تناوئ فكرة الضرائب بصرف النظر عن الظرف الاقتصادي العام، فسواء تعلق الأمر بالحرب أو السلام، بالفائض أو العجز، بالنمو الاقتصادي أو الكساد لا بد في نظر "الجمهوريين" من خفض الضرائب وكفى. ويمكن التدليل على هذا النوع من الدوغمائية بعضو مجلس النواب، بول راين، من ولاية ويسكونسن الذي طرح بعض الأفكار فيما يتعلق بضبط ومراقبة تكاليف الاستحقاقات الاجتماعية والصحية، لكن برفضه ضرورة تأمين مداخيل إضافية للإنفاق على البرامج الأخرى التي دعا إلى الحفاظ عليها، وهي البرامج الأكثر كلفة مثل التغطية الصحية بجميع أنواعها، يكون قد انحاز إلى موقف مسبق دون تحليل الواقع والأخذ بعين الاعتبار معطيات المجتمع الأميركي، وحسب رؤية "راين" ستنخفض كلفة الاستحقاقات من 12 في المئة من إجمالي الاقتصاد الأميركي في العام 2010 إلى 6 في المئة بحلول 2022 ثم 5.3 بحلول 2050، والمشكلة أن رؤية النائب "الجمهوري" لا تحدد البرامج التي ستطالها الاقتطاعات، هذا بالإضافة إلى استبعاد موافقة الرأي العام الأميركي على اقتطاعات دون دراسة مفصلة توضح أوجه استفادة الاقتصاد الأميركي، والأمر نفسه ينطبق على معضلة الاحتباس الحراري فقبل سنوات قليلة فقط كان رموز الحزب "الجمهوري" مثل جون ماكين وسارة بالين وميت رومني ونيوت جينجرتش يتفقون على وجود الظاهرة ويقترحون بعض الحلول المرتبطة باقتصاد السوق ودعم الصناعات الجديدة وغيرها، لكن اليوم تشير استطلاعات الرأي أن عدداً قليلاً فقط من "الجمهوريين" يؤمنون بالعامل البشري في الاحتباس الحراري، بل إن نفس المؤيدين السابقين لكبح التغيرات المناخية نراهم اليوم يتخلون عن أفكارهم السابقة ناكرين أي دور لحرق الغاز والنفط وانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، واللافت أن سارة بالين التي أيدت جهود محاربة الاحتباس الحراري عندما كانت حاكمة لولاية آلاسكا تتراجع عن موقفها لتكتب في العام 2009 بصحيفة "واشنطن بوست" قائلة: "في الوقت الذي نعترف فيه بوقوع كوارث طبيعية من حين لآخر، إلا أننا لا نستطيع التأكد على وجه الدقة من دخل العامل البشري في هذه الكوارث". ومع أن العلوم البيئية تنطوي على الكثير من التعقيد ومازالت بعض الإشكالات لم يحسم فيها العلم، إلا أنه إذا سألنا ألف عالم عن الدور الإنساني في الاحتباس الحراري فإن 998 منهم سيؤكدون دور النشاط البشري في إطلاق جحيم التغيرات المناخية التي نعاني منها اليوم، إذ لا يمكن أبداً نفي التأثير السيئ للغازات الملوثة ولا الاستهلاك المفرط للطاقة والاعتماد المتواصل على الوقود الأحفوري في تشغيل مصانعنا وتحريك سياراتنا، بيد أن تراجع "الجمهوريين" عن مواقفهم السابقة بشأن التغير المناخي كما تدل على ذلك تصريحات سارة بالين الأخيرة لا يعني سوى أنها تفضل الميل مع توجهات الرأي العام في بعض المناطق لأن ذلك يعفيها كما يعفي باقي الجمهوريين من تحمل مسؤولياتهم والبحث عن حلول حقيقية للاحتباس الحراري مادامت تلك الحلول تكلفهم المال والناخبين، والمشكلة أن هذا الموقف "الجمهوري" يدفع "الديمقراطيين" للمزايدة عليهم حتى لو كانوا مقتنعين بعكس ذلك والتخفيف من لهجتهم خوفاً من خسارة انتخابية مقبلة، ولكن رغم تردد الديمقراطيين أحياناً فإنهم في الأخير لا ينكرون ظاهرة التغير المناخي ولا يعتبرونها ضرباً من الخيال كما يذهب إلى ذلك "الجمهوريون"، وهو ما يقودنا إلى سؤال مهم: أليس من الأفضل لنا في أميركا أن يكون لدينا رئيس لا ينكر الاحتباس الحراري لكنه يضطر خوفاً من الهزيمة ولدواع انتخابية التخفيف من نبرته ومحاباة "الجمهوريين" حتى لا يُعبئوا الرأي العام ضده؟ مهما يكن الحال يبدو أن أوباما بدأ بالفعل في انتهاج هذه الخطة بعد تراجع الحديث عن فرض ضريبة على التلوث والاكتفاء بتشجيع الطاقات المتجددة غير الملوثة للبيئة. ------ فريد حياة كاتب ومحلل سياسي أميركي ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"