شأنها في ذلك شأن معظم الحروب، تبين أن حملة "الناتو"التي بدأت منذ خمسة أسابيع للإطاحة بالزعيم الليبي، أصعب كثيراً مما كان يعتقد في البداية. وقد أوضح الأدميرال"مايكل جيه.مولين" رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة ذلك عندما أدلى بتصريح يوم الجمعة الماضي قال فيه بصراحة:" من المؤكد أن الوضع يتجه نحو الجمود". وزاد وزير الخارجية الفرنسي المسألة وضوحاً عندما قال:"الشيء الذي ربما نكون قد قللنا من شأنه، هو قدرة العقيد القذافي على التكيف مع التطورات". كأن قادة بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الذين قادوا التدخل في البداية يأملون في سقوط سريع لنظام القذافي، إما عن طريق انتفاضة شعبية أو، وهذا هو الاحتمال الأكبر، من خلال انقلاب جنرالات جيشه عليه، وهو ما لم يحدث، على الأقل، حتى لحظتنا هذه. بل إن الذي حدث، بدلًا من ذلك، هو أن جيش القذافي شن هجوماً مضاداً متماسكاً، ضد المليشيات الليبية غير المنظمة، ونجح في دفعها بعيداً عن مناطق وسط ليبيا، والتقدم إلى مركز مدينة مصراته آخر المدن الرئيسية التي سيطر عليها الثوار في غرب البلاد. وإذا ما أخذنا في الاعتبار هذا الوضع الكئيب، فإن الجمود الذي تنبأ به الأدميرال مولين، سوف يكون فترة لالتقاط الأنفاس، ولكنه سيتيح الفرصة لجيش القذافي، على وجه الخصوص، للتجهيز لشن جولة جديدة ضد الثوار وهو الاحتمال الذي دفع الولايات المتحدة وحلفاءها للاستجابة نهاية الأسبوع الماضي، من خلال تصعيد عسكري محدود على ثلاث جبهات. فعلى الجبهة الأولى أعلنت الولايات المتحدة عن أنها سترسل طائرات من دون طيار للمساعدة على تجنب احتمال تعرض المتمردين في مصراتة للهزيمة على أيدي قوات القذافي، وهو ما يمثل تورطاً في دور قتالي على الرغم من التصريحات التي كان أوباما قد أدلى بها في بداية الأزمة. وقال فيها إن الولايات المتحدة سوف تترك الآخرين كي يتحملوا أعباء القتال. أما على الجبهة الثانية فقد أعلنت بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا أنها سترسل مستشارين عسكريين لبنغازي، عاصمة الثوار الليبيين، لمساعدة قواتهم على تنظيم نفسها. أما على الجبهة الثالثة فقد قام حلف شمال الأطلسي بتكثيف قصفه الجوي للمنشآت العسكرية في سرت والعزيزية، وهما مدينتان بعيدتان عن خطوط النار، وذلك لتذكير الضباط الليبيين بأنهم لن يكونوا بمأمن في أي مكان في ليبيا، طالما ظلت الحرب مستمرة. بالنسبة للبعض، بدا ذلك، وكأنه نوع من"تمدد المهمة"، وهي الحالة التي تحدث عندما يتحول تدخل لإنجاز مهمة إنسانية محدودة، إلى حرب أكثر طموحاً. ليس هذا بالأمر الصحيح، ذلك أن "تمدد المهمة" أمر لم يحدث الآن، وإنما حدث في واقع الأمر، منذ بداية التدخل، عندما تعهد أوباما، وكاميرون، وساركوزي، بإطاحة القذافي من السلطة. وفي الحقيقة أن حلف شمال الأطلسي يواجه احتمالاً أخطر من "تمدد المهمة"، ألا وهو احتمال"فشل المهمة". وللحيلولة دون تبلور هذا الاحتمال، فإن "الناتو" يتبع استراتيجية، اكتسبت سمعة سيئة منذ نصف قرن من الزمان في فيتنام، وهي التصعيد التدريجي أملاً في الوصول إلى نقطة الانكسار لجيش العدو، باستخدام أقل قدر ممكن من القوة. يأمل قادة "الناتو" أن يؤدي تصعيدهم العسكري المحدود، إلى تشجيع شخص ما في طرابلس على الإطاحة بالقذافي. ويقول هؤلاء القادة إن النظام في ليبيا هش، فهو نظام" الأخ القائد" وليس نظاماً عملاقاً تصعب هزيمته مثل نظام"هو شيه منه" في فيتنام خلال الستينيات. ويقول المراقبون المهتمون بالشأن الليبي في أجهزة الاستخبارات الغربية إن كل أسبوع جديد يحمل معه أنباء عن أن جنرالات كباراً، وبعضاً من كبار المؤيدين للقذافي، قد باتوا على حافة التخلي عنه. وبالإضافة إلى السيناريو الخاص بوقوع" انقلاب قصر"، فإن هناك المزيد من الحديث من قبل المسؤولين الأميركيين في الوقت الراهن، عن سيناريو آخر وهو سيناريو"حرب الاستنزاف". وفقاً لهذا السيناريو، يبدأ نظام القذافي في التآكل تدريجياً، وذلك بعد نفاد المعدات من الجيش، ونفاد المال الذي يحتاجه القائد لدفع رواتب جنوده، ورواتب المرتزقة الأفارقة، وغيرهم من المؤيدين. من الناحية الأخرى، سوف يصبح الثوار، بمرور الوقت، أكثر تنظيماً، وأفضل تدريباً، أمام قوات القذافي التي ستصبح أقل قدرة على الحرب، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تبدل ميزان القوى. والمشكلة هنا أن تأثير العقوبات الاقتصادية عادة ما يكون بطيئاً، خصوصاً أن بعض الدول مثل تركيا على سبيل المثال، لم تقم، بتجميد ممتلكات القذافي حتى الآن، وأن جيش القذافي ليس في حاجة إلى نوعيات متقدمة جداً من الأسلحة لمحاربة الثوار. علاوة على ذلك، يقول الخبراء العسكريون إن تحويل قوات الثوار إلى قوات منظمة تتوافر على القدر الأساسي من التدريب والمهارات القتالية، سوف يحتاج لفترة لن تقل بحال من الأحوال عن ستة شهور وربما تزيد، كما أن تحقيق ذلك سوف يحتاج بالتأكيد إلى عدد أكبر من المستشارين الحاليين الذين وافقت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على إرسالهم وهو 30 خبيراً. ولكن إذا لم يكن الوقت في صالح القذافي، فهو لن يكون دائماً في صالح" أوباما، وكاميرون، وساركوزي. لقد كان أوباما وجيتس حازمين في رفضهما لإرسال قوات أميركية برية إلى ليبيا، مفضلين، هذه المرة، أن يعهدوا بالمهمة لكاميرون، وساركوزي وغيرهما سواء داخل أوروبا، أوخارجها . ولكن تلك القوات جميعاً، سوف تكون بحاجة، في نقطة ما-يتوقع أن تكون في بدايات شهر يونيو المقبل إلى تصعيد الموقف، لوضع نهاية لمعاناة ليبيا، ولتلافي إضافة العمل الذي يقومون به(المهمة القتالية) إلى قائمة الخسائر المترتبة على هذه الحرب. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"