ربما يعاد النظر في ما حدث فوق سلسلة مرتفعات جورا السويسري في شهر يوليو المنصرم، على أنه بداية عصر جديد للطاقة المستدامة التي استخدمتها طائرة "كيتي هوك" التي دشنت ذلك الحدث المهم. فقد حلقت في ذلك اليوم طائرة بواسطة أربع محركات تكاد تكون صامتة تماماً. وغطيت أجنحتها ذات العرض الملفت للنظر –حيث يبلغ عرض الجناح من أقصاه إلى أقصاه 208 بوصة- بأنسجة قادرة على القيام بعملية صناعية للتمثيل الضوئي. ومهمة هذه الأنسجة هي أن تساعد على تحويل ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية تدفع محركات الطائرة وتشحن البطارية المزودة بها. وقد تمكنت هذه الطائرة من التحليق لـ26 ساعة، بينما ساعدت بطاريتها المشحونة على تزويدها بالطاقة اللازمة ليلاً. وتعد هذه الطائرة السويسرية الممولة تمويلاً خاصاً –التي أطلق عليها اسم سولار إمبلس- إنجازاً تكنولوجياً غير مسبوق بين سلسلة من الطائرات الشمسية التي تم صنعها خلال العقود العديدة الماضية، غير أنها تشير إلى فجوة تكنولوجية خطيرة في مجال الطاقة البديلة المتجددة. وعلى رغم عرض جناحها الذي يقارب عرض جناح طائرة البوينج من طراز 747، فهي لا تسع إلا لراكبين فحسب، بينما لا تزيد سرعة تحليقها على 45 ميلاً في الساعة فحسب. وعليه، فربما لا تتمكن الطائرات الشمسية هذه من أن تحل محل الأساطيل الجوية ذات السرعة الهائلة التي تعتمد على طاقة المحروقات. فحتى في حال تمكن المحركات الكهربائية من دفع الطائرة بسرعة تفوق الـ500 ميل في الساعة، فلن تتوفر لها الطاقة اللازمة لدفع محركاتها على أية حال. وفي هذا الصدد تشير التقديرات الفنية إلى أن طائرة 747 المحملة كلياً بالركاب سوف تكون بحاجة إلى نحو 200 ميدان من ميادين كرة القدم التي تنتج فيها الطاقة الشمسية. وفيما لو طارت هذه الطائرة في رحلة من نيويورك إلى لندن على سبيل المثال اعتماداً على بطاريتها المشحونة بالطاقة الشمسية، فإن على هذه البطارية أن تزن ما لا يقل عن مليون رطل، أي ما يعادل حوالي عشرة أمثال الوقود المحروق الذي تستخدمه الطائرات اليوم. ويعني هذا الثقل الكبير للطاقة اللازمة لتحريك الطائرة، عدم إمكانية حملها للركاب ولا الشحنات. والمعضلة الرئيسية التي تواجه هذه التكنولوجيا الجديدة أن الوقود الأحفوري السائل يحوي على طاقة أكبر بما لا يقاس عن الأوقية الواحدة التي تحملها البطاريات المشحونة بالطاقة الشمسية. وفيما لو أراد العالم الانتقال إلى موارد الطاقة البديلة المتجددة، في ذات الوقت الذي يحافظ فيه على تطور خدمات النقل الجوي، فإنه لا بد من إيجاد طريقة ما لإنتاج أنواع متعددة من الطاقة السائلة. وهذه هي الحقيقة التي أدركها الباحثون والعلماء منذ وقت بعيد. غير أن الارتفاع المستمر لأسعار االطاقة العالمية –لا سيما منتجات الطاقة الأحفورية- بدأ يثير اهتمام المستثمرين، ويحث جهودهم نحو السعي إلى موارد أكثر استدامة وأقل تكلفة في مجال الطاقة. هذا ما علق عليه الباحث إريك ستريزر –شريك عام بشركة "مهر دافيديدو- وهي شركة رؤوس أموال في مولينو بارك بولاية كاليفورنيا، بقوله إن وقود الطائرات يعد باهظ التكلفة ولا يوجد بديل له حتى الآن. وعليه فإن هناك بديلاً بدأ اكتشافه قريباً جداً، ألا وهو التمثيل الضوئي. وفي نهاية الأمر، وفيما لو كان الوقود وسيلة جيدة لاختزان الطاقة، فما الذي يمنع تحويل ضوء الشمس مباشرة إلى وقود، بدلاً من تحويله إلى طاقة كهربائية؟ يذكر أن نيثان لويس –باحث كيميائي بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا- قد تمكن من تطوير خلايا التمثيل الضوئي الصناعي القادرة على تحليل جزيئات الماء بهدف توليد غاز الهيدروجين، أي توليد الطاقة في نهاية الأمر. وقد تمكنت الخلايا التي طورها من تحويل ضوء الشمس إلى طاقة كيميائية تزيد فعاليتها بنحو يتراوح بين 10-40 مرة، قياساً إلى معظم التقنيات الأخرى التي استخدمت لتحويل ضوء الشمس إلى شكل آخر من أشكال الطاقة. وعليه، فقد استنتج السيد لويس أن من المنطقي أن يتمكن العلماء من تطوير أشكال جنينية لتكنولوجيا متقدمة في هذا المجال، خلال مدة لا تتجاوز الخمسة أعوام من الآن. غير أن المعضلة الرئيسية التي ستواجه هذه الجهود، تتلخص في صعوبة المزج بين الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون بهدف إنتاج أنواع جديدة من غازات ثاني أكسيد الكربون التي عادةً ما نجدها في الديزل و أنواع الوقود الأخرى المستخدمة في دفع محركات الطائرات. ثم يضيف "شونشان سونج" المهندس الكيميائي بجامعة ولاية بنسلفانيا الحكومية- معضلة أخرى تواجه تكنولوجيا طاقة الخلايا الشمسية بقوله إنه لا توجد أي عمليات تجارية ذات تقاليد معروفة لتحقيق هذا الهدف التكنولوجي. وهناك مشاريع عديدة ومتنوعة للابتكار في مجال الطاقة المتجددة قامت رؤوس الأموال الاستثمارية بتمويلها، لكنها لم تحقق بعد المستوى التجاري الربحي الذي يجعل من التكنولوجيا المستدامة التي تنتجها بديلاً محتملاً لمنتجات الطاقة الأحفورية. وإذا أخذنا بالشركات التي مولت باحثين لهندسة الطحالب التي تستطيع إنتاج نوع من الوقود شديد الشبه بالديزل، فربما نعتقد أن في ذلك الإنجاز خطوة للأمام نحو إنتاج بديل ممكن للطاقة الأحفورية. ولكن المشكلة أن زراعة الطحالب نفسها تحتاج إلى وقود. وبذلك نعود مجدداً إلى المسافة البعيدة التي لا تزال تفصل الباحثين والعلماء عن موارد الطاقة البديلة المتجددة التي يسعون إليها. دوجلاس فوكس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"