إذا ما افترضنا أن الولايات المتحدة، قد احتاجت إلى تمويل حكومتها بأي شكل من الأشكال -حتى لو لم يكن بعض الجمهوريين يريدون ذلك- فهل لي أن أدلي برأيي في هذا الموضوع وأقول إننا نبحث عن الدولارات في الأماكن الخطأ؟ ليس معنى ذلك أن الديمقراطيين على خطأ عندما يريدون إغلاق الثغرات بين الدخول والضرائب، سواء بالنسبة للمؤسسات أو بالنسبة للأغنياء. فإذا ما أخذنا في اعتبارنا مظاهر عدم المساواة المذهلة المتفشية في مجتمعنا، والتي تؤدي إلى تشويه بنية اقتصادنا، فسنتوصل إلى نتيجة حتمية، وهي أن رفع الضرائب على دخول الفئات الأكثر ثراءً في المجتمع الأميركي أمر ضروري للغاية، إذا ما أردنا المحافظة على قدرتنا على توفير احتياجات دفاعنا الوطني، ومدارسنا، وتأمين المعاشات للمتقاعدين. سوف يكون هذا أمراً ضرورياً، لكنه لن يكون كافياً مع ذلك: ففرض ضرائب على الدخول التي يحصل عليها العاملون الأميركيون لن يحقق العوائد التي كانت تتحقق من قبل... وهو ما يقودنا إلى حقيقة مؤداها أننا بحاجة إلى فرض ضرائب على الاستثمارات أيضاً. ويشار إلى أنه خلال الفترة بين 1959 و2007، انخفض الدخل الشخصي للفرد الأميركي المتحصل من الأجور والرواتب من 68 في المئة إلى 57.6 في المئة، وفقاً لإحصاءات "معهد السياسات الاقتصادية" التي أُعلنت مؤخراً ضمن تقرير شامل حمل عنوان "حالة أميركا العاملة". وفي نفس الوقت ارتفع المتحصل من العوائد بمقدار 3.3 في المئة ليصل إلى 7.1 في المئة، وكذلك المبالغ المتحصلة من الفوائد من 5.8 في المئة إلى 11.3 في المئة. وارتفع المتحصل من الضرائب على المكاسب الرأسمالية المتحققة خلال تلك السنوات بنسبة 1.6 في المئة ليصل إلى 8.2 في المئة. ندرك من ذلك أن المتحصلات الضريبية الضخمة كانت، بكلمات أخرى، تأتي من الاستثمارات الضخمة، وأنها كانت تذهب في الغالبية العظمى من الحالات إلى الأغنياء. وفي عام 1962 كان 1 في المئة من الأسر الأميركية الأكثر ثراءً، تحصل على دخول تفوق بمقدار 125 ضعف ما يحصل عليه الأميركيون من الطبقة الوسطى. وبحلول عام 2009، كانت نفس النسبة من الأميركيين الأكثر ثراء تحصل على دخول تفوق بمقدار 225 مرة دخول الأميركيين من الطبقة الوسطى. ومع ذلك، فإننا نفرض ضريبة على الدخل المتحصل من المكتسبات الرأسمالية الطويلة الأمد بمعدل 15 في المئة، في حين نفرض ضريبة على العاملين الأميركية بنسبة 35 في المئة. لقد كان الاقتصاد الأميركي أقل متانة بكثير في العقود الأخيرة، سواء من ناحية إيجاد الوظائف، ومكاسب الدخل، أو الحراك الجيلي مقارنة بما كان عليه في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية عندما كان معدل الضريبة على الدخول العليا يزيد بمقدار الضعف عما هو عليه الآن. إن الداعي لفرض ضرائب على رأس المال بنسبة أقل من النسبة المفروضة على الدخل الشخصي، هو سبب اقتصادي في المقام الأول: فمعدلات الضرائب المنخفضة على الاستثمارات تشجع على مزيد من الاستثمارات، وعلى مزيد من خلق الوظائف في الاقتصاد الأميركي. من الواضح أن هذا لم يعد هو الوضع حالياً في الولايات المتحدة. فالعوائد التي تذهب للمساهمين في الشركات الأميركية الكبرى تستمد في معظمها من الاستثمارات التي تقوم بها تلك الشركات في الخارج. والبيانات الجديدة المتحصلة من وزارة التجارة تبين أن الشركات متعددة الجنسيات التي تتخذ من أميركا مقراً لها، قد ألغت وظائف ما يقرب من 2.9 مليون أميركي خلال العقد الماضي، في نفس الوقت الذي قامت بإضافة 2.4 مليون وظيفة لعاملين ينتمون إلى دول أخرى غالباً ما تكون الدول التي تعمل فيها فروع تلك الشركات. ويرجع السبب في إقدام الشركات متعددة الجنسيات والشركات الأميركية الكبرى على ذلك إلى دوافع تجارية وربحية بحتة، حيث ترمي تلك الشركات إلى الاستفادة من انخفاض أجور العمالة الخارجية مقارنة بالعمالة الأميركية، حيث يؤدي الاعتماد على تلك العمالة إلى توسع تلك الشركات في الخارج وليس في الداخل. ومن هنا فإن المدافعين عن فرض ضرائب على الاستثمارات بنسب أقل من تلك المفروضة على الدخول من العمل، بحاجة إلى إدراك أن القانون الضريبي الحالي يؤدي إلى تناقص الاستثمارات الداخلية، وتمدد الاستثمارات الخارجية، وأن هذا القانون بحاجة إلى تعديل نتيجة لذلك. تناقص الاستثمارات في الداخل يعني أن مستوى العوائد الضريبية التي يمكن للحكومة تحصيلها من دخول العاملين لن يزداد، حتى مع حقيقة أن احتياجات الأمة الأميركية للأموال، سوف تزداد خصوصاً على ضوء التكاليف الباهظة للرعاية الطبية، والتي خرجت عن نطاق السيطرة الحكومية بالفعل. هناك طريقتان لكسر هذه الدائرة الشريرة: الأولى ضرورة مساهمة القطاع الخاص في خلق وظائف وعدم ترك العبء في ذلك يقع بالكامل على كاهل الحكومة والقطاع العام. الثاني أننا يجب أن نفرض ضرائب على الاستثمارات ليس فقط بمعدل قريب من معدل الضرائب المفروضة على الدخل من العمل، بل بمعدل أعلى منه. ذلك أنه ليس هناك منطق في مكافأة المداخيل التي تأتي من خلال "بيع أميركا على المكشوف"، أي المداخيل التي تأتي من ممارسات مالية حرّمتها الولايات المتحدة بعد الأزمة المالية التي تعرضت لها والتي لا تزال تعاني من آثارها حتى الآن. ------- هارولد مايرسون كاتب ومحلل اقتصادي أميركي -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"