عالمان من جذور إسلامية حصلا على جائزة نوبل في تخصصات علمية، أحدهما باكستاني الأصل، وهو محمد عبد السلام، وقد حصل على نوبل في الفيزياء عام 1979، وثانيهما مصري هو أحمد زويل الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999. وبين الجائزتين عشرون عاماً، لم تتهيأ خلالها المجتمعات العربية والإسلامية لإنتاج عاِلمٍ ثالث. لكن عبدالسلام وزويل أصدر كل منهما كتاباً يعكس تجربته وتصوراته. وفي كتابه "المثل والحقائق"، قدم عبد السلام تجربة طالب العِلم في العالم الثالث. فبعد حصوله على الماجستير في الفيزياء عام 1946، وعلى الدكتوراه من جامعة كمبردج عام 1951، عاد إلى باكستان ليواجه واقعاً آخر، فكان لابد أن يختار العودة إلى إنجلترا، لكنه بقي على اتصال مع بلده وساهم في إنشاء خمس مؤسسات علمية عالية مرموقة في باكستان. بيد أن الحكومة الباكستانية قررت في عام 1974 أن المذهب الأحمدي خارج عن الإسلام، ولأن عبد السلام كان أحمدياً فقد غادر باكستان احتجاجاً وبقي في انجلترا حتى وفاته عام 1996. لم يحضر أي ممثل حكومي باكستاني لاستقبال نعشه العائد إلى إسلام آباد، وقد كتب على شاهدة قبره أنه أول عالم مسلم يحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، لكن المسؤولين عن المقبرة محوا كلمة مسلم! هكذا يتم تكريم العلماء في بلدانهم! وكان من إنجازات عبد السلام تأسيسه مركزاً بحثياً في الفيزياء النظرية لدول العالم الثالث، وتم اختيار إيطاليا لتكون دولة المقر لذلك المركز، وهنا لابد من التساؤل: لماذا إيطاليا وليس أي دولة من العالم الثالث؟! أما كتاب "عصر العلم" فيعكس السيرة الذاتية لمؤلفه، العالم الأميركي، المصري الأصل، أحمد زويل، واختياره الولايات المتحدة لإكمال دراسته وللاستقرار فيها. فقد غادر مصر عام 1968 بعد نيله الماجستير. وحصل على الدكتوراه عام 1973. الكتاب تضمن تجربة غنية يعود الفضل فيها للبيئة المناسبة التي احتضنت موهبته. وهي موهبة كان يمكن أن تندثر لو لم يكن زويل مدركاً لأهمية البيئة المناسبة لطموحه العلمي. وقد احتوى الكتاب تفاصيل تؤكد أنه ما كان الشاب زويل ليحقق نجاحه العلمي الباهر لولا النظام العلمي الاجتماعي الإداري الأميركي. كما كان الحال بالنسبة لعبد السلام الذي رعته انجلترا ليبدع ويزدهر عطاؤه العلمي. الشيء الذي توقعت أن أجده في الكتاب هو أن يبين زويل أن العلم ليس مجرد معارف وإنما منطق أيضاً، ومن ثم فهو يحتاج إلى منظومات اجتماعية متطورة، وليس مجرد مؤسسات علمية وجامعات. إن معظم مسؤولي المؤسسات العلمية العربية نُصِبوا ليس وفق منظومة اختيار واضحة كما هو معروف عالمياً، وأحيانا حتى ترشيحات القبول للدراسات العليا تكون بعيدة عن منظومات القياس المطلوبة. المنظومة الإدارية العلمية المناسبة غير موجودة في العالم العربي، وإن وجدت فهي متعثرة. المنظومة الاقتصادية اللازمة لدعم البحوث غير متوفرة وإن توفرت فهي غير كفؤة ولا فعّالة. البلدان العربية مليئة بالجامعات ومؤسسات البحوث، لكن المشكلة هي عدم وجود منظومات علمية اجتماعية متناغمة يكمل بعضها عمل البعض الآخر. ----- محمد عز الدين الصندوق كاتب من العراق ------ ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"