عندما لا يثبت النظام التعليمي قدرته على تحقيق الأهداف المتوقعة منه، يتعين البحث عن الأسباب وراء ذلك، وإيجاد الحلول والبدائل التي تعيد لهذا النظام قوته وحيويته، وتجعله قادراً على ممارسة دوره بصورة صحيحة، وهذا لا يتم إلا إذا كان المنطلق الأساسي موضوعياً، ومنهج البحث والعلاج علمياً. فذلك هو المسلك الذي اتخذته معظم الدول في حل مشكلاتها التعليمية والتنموية، فتحولت إلى مراكز علمية وبحثية عالية الجودة، ومن ثم غدت في فترة زمنية قصيرة قوة اقتصادية وعلمية كبرى. إن البحث العلمي يمثل ضرورة لدعم التنمية والإبداع والتطوير، سواء على الصعيد التربوي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وخلق حالة من الحركة الصناعية والتقنية النشطة، مما يسهم في عملية التجديد والتجدد التي توظفها الدول لتحقيق واقع عملي أفضل لمجتمعاتها. وتلعب نتائج البحوث دوراً مؤثراً في إيجاد متغيرات واسعة في المجتمع، لاسيما أنها تساعد صناع القرار على اتخاذ قراراتهم بصورة سليمة، وعلى إعداد الاستراتيجيات القادرة على دفع المجتمع نحو التقدم والرخاء. لهذا لا غرابة إن رأينا أن إنفاق الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي على البحث العلمي يتجاوز ثلاثة أرباع إجمالي ما ينفق عالمياً على البحث العلمي. وهذا الاهتمام نجده أيضاً في العديد من الدول الآسيوية التي نهضت أخيراً، حيث رفعت كوريا الجنوبية نسبة إنفاقها على البحث العلمي من 0.6 في المئة عام 1980 إلى 2.89 في المئة عام 1997، والصين من 0.5 في المئة في المئة إلى 1.5 في المئة خلال الفترة ذاتها. كما نجد توجهاً مماثلاً عند ماليزيا والهند وسنغافورة، حيث تطورت تلك الدول وأصبحت قوى اقتصادية وتقنية ضاربة في الأسواق العالمية. لكن أين موقع العرب على خريطة البحث العلمي؟ مؤسسة الفكر العربي في تقريرها الثالث حول التنمية والثقافة، ذكرت أن ما يخصص للبحث العلمي في العالم العربي لا يتجاوز 0.2 في المئة، وأن دولاً مثل فنلندا تنفق على البحث العلمي 15 ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة. كما تشير الأرقام إلى أن عدد براءات الاختراع العربية المسجلة بين عامي 2005 و2009 لم يتجاوز 475 براءة، بينما سجلت ماليزيا وحدها 566 براءة اختراع، أي أن معدل الإبداع في ماليزيا يزيد 15 مرة عن نظيره في الدول العربية مجتمعة. لدينا مراكز ومشاريع برامج للبحث العلمي لكنها غير متكاملة وغير مفعلة بشكل صحيح. ولدينا أيضاً علماء وباحثون على مستوى عال جداً، لكن عادةَ الاعتماد على استيراد العقول الأجنبية، وهي عادة مترسخة، قللت مستوى الاستفادة من الأدمغة العربية، مما لعب دوراً في تأخير النهوض وإحباط مشاريع التطوير والتحديث. لابد للعالم العربي، وهو في مرحلة انتقالية جديدة، أن يعتمد استراتيجية طويلة المدى تقوم في أساسها على العنصر الوطني، وتستفيد من الكفاءات العلمية والبحثية العربية في الداخل والخارج، وتوفر البيئة العلمية المناسبة، وترسم استراتيجية قومية لكسر حلقة التخلف والجمود والضعف، وأن تكون لدينا الإرادة والعزم لتصحيح المسار العلمي العربي وإصلاحه، انطلاقاً من التعليم ومؤسساته قبل كل شيء. وهنا يتعين أن يعلم صانعو القرار الاقتصادي أن كل دولار يتم إنفاقه على البحث العلمي، سيعود على الاقتصاد الوطني بعشرة دولارات. إنها العلاقة التي لا تنفصم بين التعليم والتنمية الاقتصادية.