بعد أشهر من الاضطرابات في العالم العربي، بدأت إسرائيل تدخل على خط السلام المتعثر بالإعلان عن مبادرة سلام إسرائيلية جديدة تضع المبادرة العربية الشاملة خلف ظهرها. حيث أعلنت في ظل هذه الأوضاع عن استعدادها لتقبل مشروع دولة فلسطينية في الضفة وغزة، وتعويض الفلسطينيين عن 7 في المئة من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها عن طريق الاستيطان ومواصلة السلام مع سوريا وبالتفاهم حول الجولان المحتلة وبناء مشاريع مشتركة مع الإصرار على شرط عدم عودة اللاجئين، خاصة وأن هذا الظرف بالنسبة لها هو أنسب وقت لتنفيذ كل هذه الخطوات "الجبارة" أو التنازلات "الخارقة" لصالح السلام في الشرق الأوسط وإغلاق هذا الملف نهائياً. وعندما نرى ظاهر النص التنازلي هذا نجده كأن الأمر الجلل غدا بذلك أسهل من شربة ماء، هذا يصدق إذا لم تكن السياسة الإسرائيلية، هي التي تسمم الماء قبل البدء بشربه، وإذا كان ظرف العالم العربي مهيأً لهذه القفزة نحو عملية السلام التي وصفت مراراً بالميتة أو المجمدة، فلم طال انتظارها أكثر من عقدين منذ بدء قطار أوسلو في التحرك نحو السلام الموهوم؟ فأولويات العالم العربي والعالم الغربي لم تعد تمضي في هذا الاتجاه، وإن صرح أوباما بأن هذا الظرف هو الأنسب للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن مع من؟! الفلسطينيون أنفسهم لم تصطلح شؤونهم بعد، وليس في الأفق القريب ما يدل على قرب الموعد المحتوم لقتل الانقسام في مهده، الجامعة العربية في رحلة بحث عن أمين جديد بعد أن أعلن أمينها الحالي ترشحه للرئاسة في مصر، والقمة العربية التي تأجلت، لا زالت في حكم المعلقة بين الانعقاد وعدمه رغم تأكيدات العراق البلد المضيف. الدول الرئيسة المعنية بملف السلام بصفة مباشرة وعلى رأسها مصر وسوريا وغيرها، لم تستقر أوضاعها السياسية ولم تتبلور الصورة التي ستخرج بها إلى العالم بعد ما حدث وما زال يحدث لها من قضايا تضطرب لها عقول العقلاء فضلاً عن حيرة حكمة الحكماء من أجل وضع الأمور في نصابها والنقاط السياسية الساخنة على حروفها الواضحة. متى كان استقرار العالم العربي يروق لإسرائيل منذ أن غرست رجلها في الأراضي العربية المقدسة، فهي اليوم تريد أن تربك أي متخذ قرار أكثر مما نراه في مبادرات تلو الأخرى سلبية أم كانت تدعي الإيجابية، فالساحة اليوم أصبحت خالية إلا منها، فإن مارست السياسة المراوغة، فليس هناك من يأبه لها، وإنْ قامت بقصف الأراضي المحتلة، ومارست سياسة القتل المنتقاة والعشوائية، فلا من مدين لأفعالها، لأن العالم أجمع في شغل عنها. فإلى أن تتشكل خريطة العالم العربي من جديد، لدى إسرائيل فرصة أن تقول وتفعل ما تريد، فهي قادرة اليوم أن تمارس دور خلط كل الأوراق فليس هناك من سائل ولا مجيب. طاولة السلام ليس أمامها أحد في ظل الأوضاع العربية التي تحاول التركيز على طاولتها الذاتية التي انقلبت فجأة بدون أي مقدمات منطقية وإن كانت واقعية بحكم العقل الذي أدار الحراك السياسي من خارج توقعات المراقبين والمحللين. هكذا فعالُ إسرائيل في استغلالها لأي أزمة قائمة لصالح مشروعها، وإلا فما الهدف من طرح هذه السيولة السياسية على الملأ مرة أو دفعة واحدة في حين أن الملأ لا يأتمرون عليها، لا يبالون بمبادراتها التي تلف وتدور في خارج سياق الأحداث الجارية على الساحة العربية المفتوحة على سيناريوهات يصعب الإمساك بخيط واضح منها حتى اللحظة.