بعد ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة الشعبية في تونس وشهرين على قيام شقيقتها الثورة الشعبية في مصر، يتراكم ما يمكن اعتباره تسونامي من التحليلات وفعاليات التنظير والنقد الفورية. والتساؤل أمام ركام الآراء الجديدة: هل هناك نمط مشترك لهذه الثورات المستجدة في العالم العربي؟ وما العلاقة فيها بين المطالب السياسية والمطالب الاقتصادية؟ ثم - وهذا هو الأهم- كيف سيكون مستقبل هذه الثورات في المنطقة ككل؟ لعل من أكثر رسائل البريد الإلكتروني ذكاء وطرافة كذلك، لفتت نظري رسالتان: أولاهما تتساءل متعجبة حول ما إذا كانت القمة العربية ستعقد في موعدها أم لا، ثم يؤكد الشخص الذي كتبها أنه مهما كان القرار فيما يتعلق بزمان ومكان القمة العربية، فإنها ستكون بالأساس قمة تعارف بين الوجوه الجديدة. أما رسالة البريد الإلكتروني الثانية فيشكو كاتبها من تزايد عدد ثورات الشارع العربي هذه الأيام، ويقول حرفياً: "لقد عانينا طويلاً من حالة الجمود الذي ران على الوضع العربي العام: زين العابدين (24 عاماً)، ومبارك (30 عاماً)، والقذافي (42 عاماً)... وفجأة بدأنا نسمع هدير الثورات يكتسحنا مثل التسونامي، فيصيب الكثيرين منا بدوار التغيير المفاجئ". لذلك يقترح كاتب الرسالة الطريفة أن نقوم بتنظيم -نعم تنظيم- تسونامي الثورات العربية، بمعنى أن تأخذ كل ثورة دورها، أي أن تحدد موعد ومكان قيامها، وأن يلتزم الجميع باحترام أدوارهم، فلا يحاولوا الغش أو القيام بعمليات التفافية لتخطي دورهم! وقد عبَّرت تلك الرسالة المرحة بالفعل عن حالة الجيشان التي تمر بها المنطقة العربية حالياً، والتي أصبحت بذلك تسيطر على نشرات الأخبار وعلى البرامج الحوارية أو التوك شو، ليس فقط في فضائياتنا، ولكن حتى أيضاً على مستوى الإعلام التلفزيوني العالمي. كما تتكاثر أيضاً الاجتماعات والندوات، ليس فقط داخل أروقة "الناتو" أو صالات البنك وصندوق النقد الدوليين في واشنطن، وإنما أيضاً بين السياسيين والخبراء الاقتصاديين والعسكريين، في لندن، وباريس، وبالطبع في بروكسل أيضاً مقر الاتحاد الأوروبي. ومن جانبها لم تتأخر العواصم والمدن العربية عن الاشتراك في هذا الزخم الجديد من الاجتماعات والندوات، وكانت آخرها قد عقدت في مدينة مراكش الساحرة في جنوب المغرب، وبإشراف مركز التنمية لجهة تانسيفت، وبتنسيق من خبير القانون الدستوري الدكتور محمد المالكي، بالاشتراك مع مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وبالرغم من قصر مدة الندوة، إلا أنها اتسمت بالدسامة حيث تركز النقاش على 17 ورقة بحثية متنوعة: من تضاريس أمن الإنسان العربي، إلى مشاكل السلطة والحكم إلى أزمة الاقتصاد والنمو. وقد عرفت الندوة استمراراً لتقليد الجمع في حالة واحدة بين المحللين الأكاديميين، وبعض المتخصصين الإعلاميين، وبطبيعة الحال إلى جانب السياسيين، خاصة الوزراء وكبار المسؤولين السابقين الذين أصبح الآن باستطاعتهم التعبير بحرية أكثر، ودون قيود كبيرة، عن آرائهم الخاصة والبوح بجزء من كنوز مكنونات المعلومات التي تختبئ في صدورهم. كما أن الحضور انطبع أيضاً بالسمة الجديدة والبارزة للأوضاع العربية الحالية، وهي مشاركة الشباب وحضوره القوي، والذي لم يكن في الواقع حضوراً جسدياً فحسب أو حتى حماسياً بالأساس، بل كان حضوراً تحليلياً ونقدياً شجاعاً لآراء الكبار ونتائج أبحاثهم وتجاربهم العملية، وهكذا في يوم ونصف اليوم فقط، انضم إلى تسونامي الثورات، تسونامي موازٍ من الأفكار والتحليلات. وكالعادة في مثل هذه اللقاءات، فإن ما يدور حول موائد الغداء أو العشاء وكواليس النقاش الجانبي يوازي في أهميته ما تقوله بحوث الندرة وآراء متحدثيها الرئيسيين من الخبراء وأصحاب الفكر، لاسيما عندما يكون بعض المشاركين قادمين من بلاد الثورات وساحات الاحتجاج، من تونس ومصر والجزائر وسوريا. وكان هناك أحد المشاركين الليبيين لكنه لم يتمكن من السفر لحضور الندوة، إلا أن ما يحدث هناك من دمار ومعاناة كان محل تقييم أساسي في أحاديث المناقشات الجانبية: لماذا جاء الحدث الليبي مغايراً لنمط الثورة في الجارتين، تونس ومصر؟ هل يرجع سبب ذلك أو أسبابه إلى شخصية معمر القذافي أولاً وأخيراً؟ أم أنه يعود إلى نوعية وطبيعة تنظيم الجيش الليبي الذي لم يستطع حسم الأمر كما فعل الجيش في تونس وفي مصر؟ أم يعود السبب إلى طبيعة التكوين الاجتماعي الخاص في ليبيا؟ ثم ماذا عن المستقبل، خاصة وأن الحالة الليبية تأخذ طابعاً خاصاً مع التدخل العسكري لقوات "الناتو" هل يحسم العامل الخارجي إذن مصير بعض الثورات العربية؟ وماذا سيكون توجه أنظمة الحكم الجديدة في مثل هذه الحالة؟ وليستمر تسونامي التحليلات -داخلياً وخارجياً- لكن مع التركيز على أسئلة محورية تفرضها ديناميات الواقع.