في مطلع عام 2007 عثر عمال الحفر في منطقة "تولا" غرب المكسيك على منظر مفزع لهياكل عظمية لـ 24 رضيعاً تم تحديد أعمارهم على أنها لم تتجاوز خمس عشرة يوماً، وتم تشفير الوقت على أنها عاصرت عام 1150، وبالتدقيق التشريحي ظهر أثر واضح لنصل حاد على فقرات الرقبة، مما يؤكد ذبح هؤلاء الرضع في حفلة دم مرعبة حيث تم التقدم بهم قرابين بشرية لإله المطر (تلالوك) الذي تناثرت تماثيله مع هياكل أولئك الرضع الذين تم وأدهم تعميداً بالذبح! لكن لماذا تم تقديم هؤلاء الرضع قرابين في هذه المنطقة التي تعود إلى بقايا حضارة "التولتيكين"، وهي حضارة من ثلاث حضارات عمرت المنطقة الوسطى من المكسيك بجنب المايا والأزتيك؟ لقد قام فريق علمي من جامعة أركنساس. "ديفيد شتالي" وزميله المكسيكي "خوزيه دياث"، بدراسة هذه الظاهرة معتمدين على أرشيف لا يخيب! وكان الجواب من شجر السرو العملاق الذي ينمو في المستنقعات المدارية ويقاوم الزمن فتعيش الشجرة منه ألفي سنة ويزيد، وتغلظ فيصل قطر جذعها 12 متراً، وتسمق بأغصانها أربعين متراً في السماء. ومن دراسة لحاء الشجر استطاعوا قراءة حلقات هذا الشجر المعمر الحكيم الذي يحكي القصة البيئية وماذا جرى من جفاف وري ورخاء وشدة. لقد عثروا على قصة مفزعة تلقي بظلالها كتفسير جديد لهلاك تلك الحضارات التي ضربها الجفاف فأرادت استرضاء رب المطر الذي لم تشفع عنده التضحية بالأطفال الرضع، سواء الـ 24 رضيعاً في حضارة التولتيكين أو أكثر من 42 رضيعاً في حضارة المايا التي عثر على بقاياهم في الأهرامات الميتة. لقد استطاع الفريق العلمي دراسة الحلقات على مدى 1307 سنوات بين عامي 771و 2008 ليصلوا إلى اكتشاف أن ثلاث حقب مخيفة من الجفاف ضربت المنطقة فقادت إلى هلاك الحرث والنسل بالجفاف الأعظم الذي لم يستجب فيه إله المطر رغم إهراق الدم، ومتى استجابت الأصنام؟! يقول أرشيف الشجر أن ثلاث حقب مخيفة قضت على الحضارات الثلاث؛ الأولى امتدت بين عامي 1149 و1167، أي لمدة ثمانية عشر عاماً، فأهلكت حضارة التولتيكين غرب المكسيك، والثانية شرقها في المايا بين عامي 897 و922، أي لفترة 25 سنة. أما حضارة الازتيك الثالثة التي اشتهرت بأن أجلها جاء على يد "هرناندو كورتيس" الإسباني، كما مثّله فيلم ميل جيبسون بنهاية العالم، فقد شهدت الجفاف قبل خمس سنوات من مقدم الغزاة الإسبان عام 1519 ليمتد بعد ذلك عشرين سنة أخرى، حيث اجتمع عليهم تفوق السلاح الغازي وما نقله الغزاة من مرض الجدري الذي لا يعرفه أهل أميركا الوسطى، فانضافا للجفاف الأعظم على امتداد ربع قرن، فهلكوا بالطعن والطعان والأسقام والأوجاع، مضافاً إليها الجفاف الأعظم... وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد.