أمر محير أن يترأس الرئيس الأميركي حكومة منخرطة في ثلاث حروب. فخلال حملته الانتخابية، كان أوباما يشدد ضمن مواضيعه الرئيسية على أنه كان معارضاً لقرار جورج بوش شن حرب على صدام حسين في 2003 لأنه لم يكن يصدق تأكيدات بوش على أن المصالح الأميركية في خطر. وبحلول وقت انتخابه في 2008، كان معظم الأميركيين قد أصبحوا منتقدين لحرب العراق، وهو أمر ساهم في إيصال أوباما إلى الرئاسة. وحين وصل إلى الرئاسة، قام أوباما بتقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق، وإن كان بوش شرع في القيام بذلك قبل أن يغادر منصبه. واليوم وفي وقت يرتقب أن تغادر فيه القوات الأميركية العراق بنهاية هذا العام، بدأ مسؤولون من إدارته يقولون إن الجنود الأميركيين يمكن أن يبقوا في العراق بعد ديسمبر 2011 إذا كانت الحكومة العراقية ترغب في ذلك. ولكن الحكومة العراقية لا نية لها في أن تطلب منهم البقاء، على ما يقال. وإضافة إلى ذلك، واصل أوباما أيضاً الجهد العسكري الأميركي في أفغانستان الذي كان الرئيس بوش قد بدأه قبل عشر سنوات في خريف 2001. بل إن أوباما لم يواصل الوجود الأميركي في ما بات اليوم أطول حرب تخوضها أميركا فحسب، وإنما زاده بشكل جوهري. ففي ديسمبر 2009 وبعد مداولات طويلة استمع فيها إلى الحجج المؤيدة والمعارضة لزيادة الالتزام الأميركي، وافق أوباما في الأخير على "الزيادة العسكرية"، فأرسل 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، ليصل بذلك مجموع القوات الأميركية هناك إلى 100 ألف. ووعد بالشروع في سحبهم بحلول صيف 2011، ولكن جنرالاته بدؤوا يلمحون اليوم إلى أنهم يرغبون في أن تظل مستويات الجنود مرتفعة. ورغم أن أغلبية واضحة من الجمهور الأميركي ترغب في انسحاب الجنود نظراً للكلفة البشرية والمادية، فإن الرئيس الأميركي قد يصغي إلى الجنرالات ويؤخر رحيل الجنود. وفي هذه الأثناء، اندلعت الأزمة الليبية التي واجهت القائد الأعلى للقوات المسلحة بقرار جديد حول استعمال القوات العسكرية الأميركية. وعندما بدأت الثورة في بنغازي، تعهد معمر القذافي بسحقها، وتلا ذلك نقاش بين السياسيين الأميركيين والمعلقين الإعلاميين وآخرين حول ما إن كان يتعين على الولايات المتحدة أن تفعل شيئاً ما لوقفه. فقال البعض إن على الولايات المتحدة أن تتدخل، في حين قال آخرون إن أميركا لا يجب أن تخوض حربا ثالثة، ولاسيما أننا نواجه ما يكفي من المشاكل الاقتصادية في الداخل. وبعد تردد قصير، وخلافاً لمداولاته الطويلة حول أفغانستان، قرر أوباما التدخل عسكرياً. فلماذا فعل ذلك؟ مما لا شك فيه أن أوباما كان متردداً في الزج بالولايات المتحدة في حرب أخرى، وفكر في السعي لإيجاد حل سلمي للمشكلة الليبية؛ ولكن عوامل مختلفة أقنعته بأن التدخل إنما يصب في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة. فأولا، كان ثمة توافق دولي واضح مؤيد للقيام بشيء ما لوقف القذافي؛ حيث كان مجلس الأمن الدولي يؤيد التدخل ويرى بأنه ضروري ولا بد منه. وعلاوة على ذلك، فقد خرجت كل من الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي علناً وأيدا تدخلاً ضد القذافي. كما أعلنت كل من الإمارات وقطر عن استعدادهما للمشاركة عسكرياً في جهد يروم المساعدة على حماية الشعب الليبي. وهكذا، شكلت هذه القرارات العربية مجتمعة عوامل حاسمة في اتخاذ أوباما لقراره. فقد شاهد سلسلة من الانتفاضات العربية تحدث في العالم العربي ضد زعماء كانوا في السلطة لفترة طويلة، وكان حريصاً على الحفاظ على المصالح الأميركية حين وقعت تلك الأحداث التاريخية. ولكنه كان يرى الدور الأميركي في حده الأدنى؛ إذ انتُقد من قبل البعض لأنه لم يساعد زعماء مهدَّدين على البقاء في السلطة، ومن قبل آخرين لأنه لم يساعد على تنحيتهم. ولكنه رأى الناس في كل بلد يمسكون بزمام الأمور بين أيديهم، وذهب إلى أن النتائج، سواء الاستقرار أو التغيير، ليس لها علاقة بما تقوله الولايات المتحدة أو تفعله. سياسة أوباما لم تكن تقوم على التدخل وإنما انتقاد استعمال العنف، ومحاولة البقاء بعيداً عن الشؤون الداخلية للبلدان التي تعيش اضطرابات. ولكن عندما امتدت الاضطرابات إلى ليبيا، نظر أوباما إلى المشكلة على نحو مختلف حيث كان مقتنعاً بحقيقة أن المجتمع الدولي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي يؤيدون جميعاً تدخلاً ضد القذافي. وكان من المهم بالنسبة له أن يُظهر دعمه للرأي العام العربي، الذي كان موحداً في حالة ليبيا. وعندما أرسل معمر القذافي قواته العسكرية إلى أطراف بنغازي وهدد بإبادة سكانها، شكل ذلك السبب النهائي الذي أقنع أوباما بضرورة التدخل. فقد كانت تلك لحظة حاسمة وحدثاً يستوجب التحرك، حيث كان المدنيون الليبيون مهدَّدين من قبل رجل عديم الرحمة لدرجة أنه مستعد لقتل شعبه من أجل إنقاذ نفسه. لقد كان تدخل أوباما في ليبيا مقتصراً على لعب دور ثانوي استعمل القدرات الفريدة لأميركا، ولكنه قام بعد ذلك بتسليم المشعل لـ"الناتو". فأوباما لم يكن يشعر براحة حين أشرك أميركا في حرب ثالثة، ولكنه لم يكن يستطيع الوقوف موقف المتفرج في وقت كان فيه المدنيون الأبرياء على وشك التعرض لمذبحة. على أن ثمة عاملاً أساسياً آخر، ويتمثل في رغبته في الانضمام إلى البلدان والشعوب العربية في عمل يحظى بالإجماع. والأكيد أن الأزمة لم تنته بعد، ولكن أوباما يأمل أن تكون الولايات المتحدة قد لعبت دوراً مفيداً في تحقيق نتيجة إيجابية. ويليام رو دبلوماسي أميركي متخصص في القضايا العربية