أعلن الرئيس السوري بشار الأسد السبت الماضي في كلمة ألقاها خلال الاجتماع الأول للحكومة السورية الجديدة أن "إلغاء قانون الطوارئ سينجز خلال الأسبوع المقبل كحد أقصى". وسيتم استبدال قانون الطوارئ بحزمة متكاملة من القوانين ضمن المعايير الدولية، قائلًا: "إن رفع حالة الطوارئ سيؤدي إلى تعزيز الأمن في سوريا، الأمن مع الحفاظ على كرامة المواطن". وقانون الطوارئ مُشرع بمادة دستورية تعطل الكثير من المواد الدستورية الأخرى، ولا يمكن رفعه أو إلغاؤه إلا بمرسوم جمهوري يصدره الرئيس. وفي حال رفع حالة الطوارئ، يُفترض الوقف الفوري للتدابير الاستثنائية والعديد من المواد في قانون العقوبات السوري، وقانون أصول المحاكمات الجزائية ورفع القيود على حرية الأشخاص أو توقيفهم احتياطياً أي وقف استباحة المجتمع باسم قانون الطوارئ. تأتي التغييرات السياسية التي تشهدها الساحة السورية بعد أن دخلت الاحتجاجات ومظاهرات التغيير في سوريا شهرها الثاني واتسعت رقعتها الجغرافية، وبعد أن جابهت الحكومة السورية المظاهرات بعنف متصاعد. وقد دعت وزيرة الخارجية الأميركية الحكومة السورية إلى "وقف قمع المتظاهرين المعارضين للنظام وتحقيق التطلعات الديمقراطية للبلاد". ولسنوات ظلت مطالبات الشعب السوري تتجدد بضرورة إلغاء نظام الطوارئ المعمول به في سوريا منذ عام 1963. ولطالما جادلت الحكومة السورية بأنه لا يمكن إلغاء قانون الطوارئ طالما أن جزءاً من الجولان لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فحالة الحرب لا زالت قائمة بين سوريا وإسرائيل رغم الهدوء المتواصل على الجبهة ووجود قوات دولية. قانون الطوارئ هو قانون خاص معد لظروف خاصة استثنائية حين تتعرض الدولة لمخاطر قانون تتعطل في ظله بعض القوانين والأحكام. قانون يتيح لمنفذي القانون سرعة الحركة والإنجاز بعيداً عن تعقيدات قانون الإجراءات الجزائية حيث العدالة الجنائية تهدف لاحترام إنسانية الفرد ويتمتع الموقوفون بالضمانات القانونية للمحاكمات العادلة، حيث تتناسب مع الرغبة في تحقيق العدالة مع احترام حقوق الإنسان، فيما تنقلب الآية في ظل قانون الطوارئ وتتضاءل الحريات الفردية في مقابل الأمن القومي والمصلحة العليا، حيث تعطى مساحات كبيرة لمنفذي القانون للتعاطي مع الأخطار. لكن كيف يمكن اعتبار حالة دامت لعقود وصلت في الحالة السورية إلى ما يقارب الخمسين عاماً لحالة طوارئ، فكيف يصبح الاستثناء قاعدة؟ والأخطر من ذلك أن تتحول قوانين الطوارئ إلى منهج تعودت عليه الأجهزة الأمنية في إدارة شؤون البلاد والعباد. حالة الطوارئ بطبيعتها الاستثنائية تعطي صلاحيات واسعة للاعتقال من دون توجيه تهم محددة والحبس الاحتياطي لمدد طويلة أو المحاكمات الأمنية والعسكرية، يترافق كل ذلك مع سياسات القمع وتكميم الأفواه باسم المصلحة الوطنية أو لمحاربة الإرهاب أو المخدرات أو إعلان حالة الحرب كما هي الحالة السورية. وغالباً ما تنتج عقود من تطبيق قانون الطوارئ مؤسسات أمنية ومحاكم استثنائية وقوانين تمنع المساءلة القانونية للعاملين في الأجهزة الأمنية عن أي مخالفات أو جرائم ارتكبوها أثناء تنفيذهم العمل، وبالتالي لا يستطيع المتضررون من أفراد الشعب مقاضاتهم خاصة المعارضين السياسيين أو المطالبين بالإصلاحات السياسية، فلا محاسبة على عمليات التعذيب الممنهجة ولا تعويضات أو رد اعتبار، لذا تستمر مطالبات المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية إنْ وجدت تطالب برفع حالة الطوارئ، خاصة بعد مضي عقود على حالة تفترض الأدبيات القانونية بأنها مؤقتة، وتبرز معها حالات صارخة لانتهاكات حقوق الإنسان. الدعوات المستمرة في دول الطوارئ لعودة الحياة المدنية، هي الخطوة الأولى لتشكيل دول مدنية ديمقراطية تُصان فيها حقوق الفرد، ولا تتعطل القوانين ، فقوانين الطوارئ هي الاستثناء دائماً وليست القاعدة.