حصل معسكر "نعم" في الاستفتاء المصري الذي جرى مؤخراً من أجل الإصلاح الدستوري، على 77 في المئة من الأصوات، وحصل معسكر "لا" على بقية الأصوات. يحاول المصريون اليوم فهم ما يعنيه ذلك. هناك أمور عديدة يتوجب على الذين صوّتوا بنعم وبلا أن يأخذوها في الاعتبار الآن، بينما تتوجه مصر نحو انتخابات سبتمبر البرلمانية، وأول دستور في فترة مصر ما بعد مبارك. معظم هذه الأمور تتعلق بالدين والتطرف والسياسة في هذا البلد، وهي مجموعة من الأمور لا يملك معظم المصريين، سوى خبرة محدودة فيها. إلا أن هناك أموراً واضحة منذ البداية. يتوجّب على هؤلاء الذين دافعوا عن التصويت بـِ"لا" أن يكونوا صادقين مع أنفسهم حول سبب خسارتهم. شعر الكثيرون بعد التصويت بنزعة لإلقاء اللوم على "الإخوان المسلمين"، وبالذات على الوعّاظ السلفيين المحافظين المتشددين الذين أقنعوا أبناءهم بأن التصويت بنعم هو لصالح الإسلام، وأن التصويت بلا هو ضد الإسلام. واقع الأمر هو أن الذين صوتوا بـِ"لا" خسروا إلى حد بعيد بسبب عدم انخراطهم مع الغالبية الساحقة من الشعب. لقد ركزوا جهودهم على قاعدة الدعم الذي يتمتعون به في القاهرة، وإلى حد أقل في الإسكندرية، ولم ينخرطوا إلا بشكل محدود مع الغالبية الساحقة من المصريين الذين لا يقيمون في هاتين المدينتين، والذين تشغل بالهم القضايا الأمنية والاقتصادية إلى أبعد الحدود. هذا، أكثر من أي شيء آخر، هو ما أدى إلى هزيمتهم في الاستفتاء، والذي طُرح ببساطة كخيار بين الأمن وانعدامه. لدى معسكري "نعم" و"لا" اليوم مصلحة في أرضية مشتركة: مصر جديدة أكثر حرية بكثير وأكثر تعددية. من أجل الوحدة الوطنية، يتوجب عليهم محاولة الوصول إلى أرضية مشتركة تضم على أقل تقدير بعض المكونات الأساسية، ويتوجب عليها بشكل أساسي أن تنبذ بعمق سياسة الأحزاب الخلافية العميقة. ويتوجب على معسكر "لا" أن يتقبّل بشكل منفتح أنه رغم احتمال كون أفراده أكثر ميلاً نحو التوجه العلماني، من الأرجح أن يكون للعلمانية المصرية انفتاح أكثر تجاه الدين إذا أريد لها أن تكون مقبولة. يتوجب على هذا الموقف المشترك كذلك أن ينظر إلى المعسكرين كمجموعة منوعة إلى حد بعيد. وهناك الكثير مما يمكن اكتسابه من مشاركة بناءة بين المعسكرين بروح من الوحدة الوطنية، أكثر بكثير مما يمكن فقدانه. لهذا السبب بالذات يتم إطلاق مؤسسة مثل "تحرير مربع"، وهي مؤسسة هدفها تعظيم أثر الأحداث الأخيرة في ميدان التحرير، وغيرها التي تعمل منذ فترة، حتى يتسنى لجميع أجزاء المجتمع المدني أن يكون لها منبر تستطيع من خلاله البحث والمناقشة والإعلام. ويتوجب عليهم جميعاً أن يتذكروا أنه لا الذين صوتوا بـ"نعم" ولا بـ"لا" يملكون حكراً على الرأي العام أو على الثورة. تماماً مثلما أسقط الشعب المصري النظام الأخير، فهو يستطيع الخروج، وسوف يفعل ذلك، مرة أخرى بمئات الآلاف، إذا شعر بوجود أي استبداد فوق رؤوس أفراده. تلك هي مصر الجديدة. يجب عدم التقليل من قيمة شعبها وقدرته. د.إتش إي هيليير زميل بجامعة ووريك يؤلف حالياً كتاباً عن الربيع العربي من القاهرة ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"