لا أحد يشبه الآخر... ولا التاريخ يعيد نفسه، ولا توجد ظروف تتطابق مع ظروف أخرى، حتى وإنْ كان الشكل متماثلاً من الناحية الظاهرية. ولعل ابن خلدون هو المفكر الذي أسس لعِلمِ الدول، وقال إن للدول أيضاً عمرها، فهناك عمر افتراضي للقهر والتسلط من قبل الأنظمة وجعل لها وقتاً يوازي الأربعة عقود، مما يعني أن ما يحدث من ثورات اليوم، حسب تحليل بن خلدون هو نتاج طبيعي لحالة القهر والانفجار التي تعيشها بعض الشعوب العربية المحاصرة والمقموعة والفقيرة والمتعطشة لمعنى الحرية الإنساني النبيل. والغريب أن التشابه، وقع في علامات أساسية بين هذه الثورات، رغم أنه في الباطن يعاني كلٌ بدرجة حرارة مختلفة. فالثورات التي شهدتها بعض الدول العربية بلا بطل، وبلا قصص بطولية، تحمل من شخص واحد هو الاسم الأول في حركة الانتفاضة، وكأنه اتفاق ضمني مفاده أنه ليس ثمة عصر البطولات الفردية، إنها بطولات جماعية قادتها إرادة قديمة بدأت بوادرها من عدة سنوات، ولكن وصلت النتيجة إلينا اليوم. والتشابه الثاني هو ردة الفعل الشعبية، التي تحدث كلما زاد عنف الأمن والأجهزة الشرطية، فكلما سالت دماء، فإنه بدلاً من أن يخاف الشعب وينتكس ويتراجع كما كان في هذه الدول سابقاً، فإن ما يحدث في بعض الدول يثبت أن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس تماماً، فالتعنت فجّر مزيداً من الإصرار على التواصل، وعلى مزيد من المتظاهرين الذين يرفعون شعار الحرية لا غيرها. والتشابه أيضاً وقع مع الأمة في حالات القمع البشعة التي تأتي بمزيد من الشهداء، وكأن الموت صار حالة معتادة، وكأنه إنسان بلا روح أو أسرة أو حتى فاقد لشرعية الموت بإنسانية. والحقيقة أنه لا أحد يقلد الآخر... والجملة المكررة التي ترددها بعض الأنظمة هي: "لسنا تونس" هي صحيحة، فلا أحد يشبه تونس أو مصر أو العراق أو حتى أهلها، لكن هو المطلب البسيط، والذي كفله الله لعباده عندما اختار الإنسان لخلافته في الأرض، إنها الحرية. ولأن هذا الإنسان كان ظلوماً جهولًا، فقد صار ما صار، وتحولت بعض الأنظمة الحاكمة إلى حالة مستعصية من الاستبداد والقهر المستفز لراحة الإنسان وشعوره بالاستقرار. وبالتأكيد ليست الشعوب العربية في زمن البطولات، لكن هذه الشعوب وصلت إلى زمن الإيمان المطلق بالحياة بشرف أو الموت بكرامة... ويبدو أن هذا هو المحك، الذي جعل الكثير يتشابه وإنْ اختلفت، أو تقاطعت الظروف. لو يدرك البعض في العالم العربي بأن المسؤول مجرد موظف لدى بلده يؤدي عمله وفق ما يمليه عليه الواجب، لكان العرب اليوم في تنافس مع دول الغرب، ولتفوقوا عليهم أيضاً، وما كانت هناك بؤر إرهاب أو تطرف. احذروا تقليد الآخرين ...واحذروا أيضاً نسيان حق الحرية المطلقة.