فيما كانت الأزمة الاقتصادية العالمية لا تزال مهيمنة على الكثير من البلدان، كشفت دراسة متخصصة نشرت في أغسطس 2010، أن نحو ربع ثروات منطقة الشرق الأوسط، تتحكم بها النساء! ففي عام 2009، قال تقرير أعِدَّ في دبي، تحكمت السيدات بنحو 27 في المئة، أو نحو 20 تريليون دولار من الثروات العالمية، فيما تقدر الثروة التي تتحكم بها السيدات في الشرق الأوسط بنحو 22 في المئة ، أي نصف تريليون دولار، من ثروات المنطقة، فثروتهن قريبة من ثروات النساء الأوروبيات، غرب أوروبا، وتزيد عن ثروة النساء الروسيات. وفي الكويت قامت صحيفة "الوطن" بإعداد ملف في عدة حلقات تحت إشراف الإعلامية هدى منتصر، تحت عنوان "ثروات نساء الكويت.. منجم ذهب قيد الاكتشاف". جاء فيه، "نعم هناك نساء كويتيات كثيرات يجلسن على عرش الثراء، يرفعن شعار "لا للمغامرة"... نساء يمتلكن أموالاً طائلة لكنها "نائمة" ومجرد أرقام في المصارف.. فهل كن على حق وهنَّ يرين أثرياء العالم من الرجال، وقد فقدوا حوالي ألفي مليار دولار في العام الفائت حين ضربت الأزمة المالية أسواق المال وأسقطت كثيرين"؟ في الولايات المتحدة، قالت الصحيفة، 24 مليون امرأة مستثمرة، يشكلن 48 في المئة من مجموع المستثمرين، و72 في المئة من هؤلاء النساء يقمن بإدارة الأمور المالية للعائلة بما فيها اتخاذ القرار المالي. والنسبة في أستراليا تزيد قليلاً فتصل إلى 50 في المئة من المجموع العام. ويبدو أن من بين سيدات الأعمال هناك 9.4 في المئة كويتيات، و8.9 في المئة سعوديات و8.7 في المئة بحرينيات و7.4 في المئة عُمانيات و5.4 في المئة قطريات يدرن مع شقيقاتهن الإماراتيات 11 ألف مشروع تربو قيمتها على 4 مليارات دولار، تتوزع على قطاعات أسواق المال والعقار والتجارة والسياحة والصناعة، لكنها تبقى أرقاماً متواضعة جداً بالنسبة لحجم الاستثمارات الإجمالية هناك، أي في دولة الإمارات العربية المتحدة. طالعت السيدة "منتصر" الكثير من التقارير المالية المنشورة حول حجم الاستثمارات النسائية وخصائصها وتوجهات المستثمرات. فهذا تقرير عن أموال النساء في الكويت والخليج يقول، إنه من المعروف تقليدياً أن معظم ثروة النساء في المنطقة تكون موروثة، وأكثر مصدر يثقن به للمشورة بشأن ما يفعلنه بها يكون أحد الأقارب من الرجال.. ولكن هذا الاتجاه يشهد تغيراً الآن. وتقدر أحدث التقارير ثروة السيدات الكويتيات في بداية 2009 بنحو 85 مليار دولار، بينما تملك النساء الخليجيات مجتمعات 246 مليار دولار، من المتوقع أن تصل هذا العام 2011، إلى 385 مليار. ما مدى حرية السيدات في التصرف بأموالهن؟ أشار أحد التقارير إلى القيود المفروضة على السيدات في المنطقة، وإلى محدودية مجالات الاستثمار. ففي المملكة العربية السعودية مثلاً طلب من النساء قانوناً مزاولة التجارة من خلال وكيل ذكر حتى عام 2004، ورغم أن هذا القانون قد خفف تخفيفاً كاملاً إلا أنه لا يلقى قبولاً واسعاً من أغلبية المجتمع وفي البحرين، يقول التقرير، لا تستطيع النساء الحصول على ترخيص تجاري إلا باسم أزواجهن وخصوصاً عندما تتضمن مبالغ صغيرة نسبياً لرأس المال المدفوع. وحتى في الدول الأقل قيوداً مثل الكويت وعمان وقطر والإمارات، نجد أن كثيراً من السيدات لا يزلن يتجنبن الاجتماعات وجهاً لوجه مع رجال من غير الأقارب وخصوصاً على الملأ، ونجد أن العرف السائد المقبول هو قيام رجال الأسرة بدور رئيسي في هذا المجال. وتنحصر الاستخدامات الأساسية لثروات النساء في أربعة مجالات هي النقد والعقار والمجوهرات، مع نسبة ضئيلة من المستثمرات في مجال الأسهم. والملاحظ عموماً أن المرأة تفضل الاستثمارات منخفضة المخاطر التي توفر دخلاً ثابتاً كالعقار. وتقول السيدة غنيمة الفهد من الكويت إن المستثمرة الكويتية جريئة في الواقع لا تقف أمامها عادات أو تقاليد، ومن تملك أموالاً تدخل بها البورصة لتضارب. وأكملت: إن ما يذكر بشأن العادات والتقاليد ووقوفها كحواجز أمام استثمار النساء لثرواتهن هو أمر غير حقيقي وغير صحيح". وانتقدت السيدة الفهد العديد من أشكال الاستثمار النسائية ومنها صالونات الزينة.. وقالت: "حتى لو كان الصالون مشروعاً ناجحاً مقارنة بغيره، فكم ستكون أرباحه بعد احتساب قيمة الكهرباء والماء والموظفين، في حين أن ربحي من البورصة يفوق أرباح مثل هذه المشاريع مئات بل آلاف المرات، إضافة إلى أنه يكون ربحاً خاصاً بي بمفردي لا يشاركني فيه أحد، لا موظفين ولا مصاريف ولا إيجار ولا هم يحزنون". وأضافت منتقدة كذلك الاستثمار السكني، لأن "مشاكله عديدة وأرباحه لا تغني ولا تسمن من جوع، إضافة إلى أن نصف هذه الأرباح إن لم يكن أغلبها يذهب إلى مصاريف البناء". ومن الخبراء الاقتصاديين الذين تحدثت مُعدة ملف "ثروات نساء الكويت" معهم د. محمود حاجي. ويقول إن السيدات ذوات الثروات حصلن على الثروة غالباً بالإرث، وأغلبهن تتراوح أعمارهن ما بين الأربعين والخمسين، الأمر الذي يبين أنهن صاحبات أسر، ولا يخلو الأمر من وجود رجل يشترك في قرار هذه الثروة، إن لم يكن هو صاحب القرار. وينفي د. حاجي عن المرأة المستثمرة الضعف والعاطفية. "وهذا ما نجده في السيدات ذوات الخبرة واللاتي يمتلكن باعاً طويلاً في سوق المال، ونجدهن دقيقات للغاية بل وأكثر صراحة من الرجل لحرصهن الشديد على النجاح وخوفهن من الخسارة". وعن نفسية المرأة في مجال الاستثمار قال: "إن المرأة حينما تعمل وخصوصاً عملاً خاصاً بها، لا تريد أن يتدخل الرجل في عملها وفي أمورها. المرأة عندما تتقن عملاً تتقنه بمهارة وبدقة، لذلك تختار المجال الذي تفهم فيه ولا تستطيع أن تقنعها بما لا تفهمه. لذلك نجدها أقل المتأثرين بنكسات الأسواق المالية، لأنها تعاملت مع سوق الأوراق المالية بعقلانية ولم تتهور في قراراتها، وعلى الرغم من "كينونتها" العاطفية إلا أنها تحكم عقلها في الوقت المناسب. أما عن وسائل تشجيع المرأة على استثمار الملايين والمليارات، في اعتقاد د. حاجي، فقد أشار إلى ضرورة إدخالها في عضوية غرفة التجارة بالكويت أسوة بما هو الحال في العديد من الدول الأخرى، وكذلك حصولها على عضوية اتحاد مجالس الجمعيات، وتخفيف الهيمنة الرجالية على قراراتهن الاستثمارية. ويميز المحامي "نجيب الوقيان" في ملاحظة ذكية، بين "سيدة الأعمال" من جانب، وهي من تعمل في مجال التجارة، و"السيدة الثرية" من جانب آخر، وهي التي جاءتها الثروة بالوراثة. فهذه الأخيرة لا تعتبر سيدة أعمال بل مالكة ميراث، وأضاف: "أتصور أن هناك سيدات كثيرات يملكن الملايين، أما بالنسبة لتجربة سيدات الأعمال فلم أر سيدات أعمال برعن في موضوع الاستثمار غير العادي. على سبيل المثال يمكن أن نرى سيدة أعمال في أوروبا، يكون لديها هوية لتجارتها وتكون عقليتها تجارية واستثمارية وتدير شركات كبيرة ومعروفة عالمياً، ولكن في الخليج العربي لم نر سيدات أعمال إلا في نطاق عملهن واختصاصهن. بمعنى أنه من الممكن أن تحقق مئات الآلاف من الدنانير في السنة عن طريق منتجع صحي افتتحته أو صالون حفلات الأعراس أو في مجال الملابس والمكياج، أو أن تكون من النساء المتحفظات اللاتي يمتلكن عقاراً، فالقليل من النساء اللاتي، يدرن شركات كبيرة من بين الآلاف المؤلفة من الشركات في الخليج. وأرى ذلك عملياً من خلال خبرة 27 سنة في مجال المحاماة". غير أن المحامي "الوقيان" بدوره يؤكد جوانب من دقة المرأة الإدارية، وأكد على أهمية وجود محام أو مستشار قانوني لدى سيدات الأعمال أو حتى السيدات الثريات. فالعقود القانونية بحاجة إلى قراءة قانونية، وبعضها يحتاج إلى التدقيق قبل التوقيع. والآن، ما رأي السيدات العاملات في مجال الاستثمار والإدارة المالية، وكذلك صاحبات التجربة والتاريخ في مجال المال والعقار والبورصة ورئاسة إدارة الشركات؟ الكثير من الأوروبيات والأميركيات تحدثن بتفاصيل وافية، وكتبن المؤلفات والسِّير الذاتية.. ويبقى أن تدخل المرأة العربية الميدان.