العواصف الترابية التي تهب على منطقة الخليج هذه الأيام، وقد غطت أجواءَها بالأتربة والغبار القادمة من الشمال... تعتبر لا شيء تقريباً بالنسبة للعواصف والهزات السياسية التي يتوقع أن تهب في الصيف من العراق. ففي شهر يونيو ينتهي موعد الحماية الأميركية للعراق، مما سيخلق فراغاً سياسياً من المتوقع أن تملأه أطراف إقليمية إذا لم تتحرك الدول العربية لانتشال العراق. والسؤال الذي نود طرحه هنا: هل لدى دول الخليج العربية رؤية أو تصور أو حتى منظور لمواجهة التحدي الطائفي في العراق والمنطقة؟ وهل يمكن لدول الخليج مواجهة مصادر ومحركات ذلك التحدي بدون العراق نفسه؟ بعد الانسحاب الأميركي، هناك احتمالات كبيرة لعودة حالة العنف للعراق بسبب عدم الحسم في القضايا المعلقة بين ساسته، والتي ذكر بعضها طارق الهاشمي حين صرح بأن "هناك تعطيلاً من جانب ائتلاف دولة القانون للكثير مما اتفقنا عليه، والحكومة هشة وغير متماسكة، وهذا لا يوفر لها متطلبات الديمومة والبقاء". ومن المشاكل المستجدة على الساحة العراقية تزايد المظاهرات الشعبية المطالبة بالخدمات الأساسية، خصوصاً الكهرباء والماء وغيرهما، ومن المتوقع أن تتفاقم الأمور هذا الصيف. ومن المشاكل المستجدة في العراق كذلك تعاظم دور المرجعيات الدينية في التأثير على القرار السياسي للحكومة، مما يعتبر مخالفة دستورية. وقد أوضح الهاشمي أن "الكل تعهد بدولة مؤسسات مدنية أساسها صناديق الاقتراع والتبادل السلمي للسلطة، مع دور متميز لمنظمات المجتمع المدني، وتكريس السيادة للقانون، وإبقاء الدين قيمة عظيمة لإصلاح الفرد والمجتمع". ما هي المخاطر التي تهدد دول المنطقة والعراق مع اقتراب انتهاء الحماية الأميركية خلال الصيف الحالي، وانسحاب القوات الأميركية في نهاية العام؟ ما يهمنا في الخليج هو تزايد الضغوط الإقليمية؛ فالزعيم الشيعي مقتدى الصدر رفض التجديد للقوات الأميركية وهدد بإعادة تشكيل ميليشياته إذا لم تنسحب القوات الأميركية. أما الحكومة العراقية فبدأت بتنفيذ بعض التزاماتها الإقليمية حتى قبل انسحاب القوات الأميركية، حيث قامت بمداهمة معسكر "أشرف" الذي يؤوي لاجئين من منظمة "مجاهدي خلق" ، وكان معظم القابعين في المعسكر من النساء والأطفال، وقد تم قتل وجرح العديد منهم. الولايات المتحدة التي وعدت بإيجاد حل لمشكلة معسكر "أشرف" بترحيل مَن فيه إلى بلد آخر، لم تفعل شيئاً حتى الآن! على دول الخليج أن تعي بأن العراق الذي كان في السابق ساحة مواجهة، بل كثيراً ما اعتبرناه البوابة الشرقية للأمة العربية، أصبح اليوم يقف على الطرف الآخر من البوابة، والمسؤول الأول عن ذلك هو السياسات الخاطئة لصدام حسين، والأحزاب والحركات الشيعية المتطرفة، وإهمال الدول العربية بما فيها دول الخليج للعراق الشقيق بعد سقوط نظام الطاغية. والآن فإنه ينبغي لنا في الخليج، إذا كنا جادين حقاً في محاولة إبعاد أي استقطاب إقليمي عن منطقتنا، اتخاذ سياسات جديدة خلاّقة تضع في الاعتبار المتغيرات السريعة في العالم وضمنه المنطقة العربية وجوارها الإقليمي. نقولها بصراحة؛ إذا كنا جادين في محاربة دولة التعصب الديني الطائفي، فعلينا أن نتبنى سياسات الانفتاح والتسامح واحترام الآخر، ولنعزز مفهوم دولة القانون، بعيداً عن التطرف الديني، ولنعزز مفهوم الوحدة الوطنية بين أبناء شعبنا، قولاً وعملاً، حتى لا نسمح بخلق دويلات مذهبية في المنطقة تحارب بعضها بعضاً. د. شملان يوسف العيسى