لطالما امتزجت دهشة المستثمرين والخبراء الاقتصاديين على حد سواء بسرعة نمو الاقتصاد الصيني. فالتنبؤات القائمة على الاتجاهات الحالية، تشير إلى تفوق الصين اقتصادياً على أميركا خلال فترة لا تتجاوز الخمسة عشر عاماً. غير أن القياسات المستقبلية القائمة على الاتجاهات الحالية أو السابقة، تعد أفقر أدوات التحليل التي يعتمد عليها الاقتصاديون على أية حال. ولكي نتمكن من تقدير صحيح لما يمكن أن يكون عليه مستقبل الاقتصاد الصيني، فإن علينا أن نضع في الاعتبار، ما إذا كانت ذات العوامل التي أسهمت في سرعة نمو الاقتصاد الصيني خلال العقدين الماضيين، ستستمر في السنوات القادمة أم لا. فخلال الأعوام 1980-2010 كان نمو القوة العاملة الصينية بين الأسرع عالمياً. فبفضل نسبة نمو سنوي قدرت بـ1.7 في المئة ساهمت الصين بما يقارب خمساً واحداً من إجمالي نمو القوة العاملة عالمياً. وكانت لعملية التوسع في المراكز الحضرية، التي تطلبت هجرة المزيد من فلاحي الريف إلى المدن، عاملاً رئيسياً في نمو العمالة الصينية. فقد ارتفعت نسبة هذا النمو بحوالي 3.8 في المئة نتيجة لارتفاع نسبة سكان المدن من 20 في المئة إلى 45 في المئة من مجموع السكان الصينيين. كما حقق التعليم نمواً مماثلاً تقريباً. فقد ارتفعت نسبة خريجي الجامعات بنسبة 25 في المئة سنوياً، أي من 3.4 مليون خريج في عام 1998، إلى 13.3 مليون خريج في عام 2004. أما عدد الذين حصلوا على درجة الدكتوراه من الجامعات الغربية، فقد ارتفع من 19 في عام 1985، إلى 50 ألفاً في عام 2006. وقد ساهمت جميع هذه العوامل في تحديد اتجاهات نمو العمالة الصينية بمعدل 10 في المئة سنوياً. غير أن تراجع هذه الاتجاهات قد بدأ بالفعل. فبسبب سياسة طفل واحد لكل أسرة -وهو الإرث الذي خلفته سياسات دينج هيساوبنج- توقف نمو العمالة الصينية في عام 2010، بينما يتوقع انحسار الكثافة السكانية العمالية بسبب تقدم السن، بما يزيد على نسبة 9 في المئة بحلول عام 2040. ومن شأن هذا التراجع من نسبة نمو سنوي قدرها 1.7 في المئة إلى انكماش سنوي نسبته 0.33 في المئة أن يحذف حوالي درجتين مئويتين من النمو السنوي المحتمل للعمالة الصينية. ليس ذلك فحسب، بل تشير تنبؤات قسم السكان التابع للأمم المتحدة إلى احتمال انخفاض النمو الحضري الصيني- الذي يعد عاملاً رئيسياً وراء ارتفاع عائدات الإنتاجية الصينية في العقدين الماضيين- بنسبة 50 في المئة بين الأعوام 2010- 2030، مقارنة بنسب النمو الحضري المرتفعة بين الأعوام 1980-2010. كما حدث تراجع شبيه في نسب النمو التعليمي، خاصةً بعد أن أعلنت السلطات الصينية عزمها على خفض برامج درجة الدكتوراه. وفي الوقت نفسه، يزداد قلق خريجي الجامعات من أن عددهم بات أكبر بكثير من السعة التشغيلية لاقتصاد بلادهم. فليس من السهل الآن الحصول على وظائف ذوي الياقات البيضاء في الصين. وتواجه الصين عقبات في مجالات اقتصادية أخرى. فقد ارتفعت القيمة السنوية لصادرات الصين الصناعية-التي تصدر ثلاثة أرباعها إلى الدول ذات الدخل المرتفع، حتى باتت عائدات هذه الصادرات تمثل نسبة 30 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الصيني في عام 2008. ولكن ليس مرجحاً للصين أن تحافظ على اتجاهات النمو المرتفعة لصادراتها الصناعية. ويتلخص السبب في أن اقتصادات أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية قد دخلت في مرحلة من التباطؤ الاقتصادي طويل المدى، لا سيما وأن هذه الدول تصارع مشاكلها الخاصة المتعلقة بتقدم سن مواطنيها، وركودها السكاني. وفي غضون ذلك، فسوف توجه الولايات المتحدة جهودها إلى خفض ديونها وعجز ميزانها التجاري. تضاف إلى هذه العقبات حقيقة ارتفاع تكلفة أسعار المواد الخام، التي اعتمدت عليها سرعة نمو الاقتصاد الصيني خلال العقدين الماضيين. كما ترجح ضرورة استيراد هذه المواد من الدول الأجنبية. فقد تحولت الصين من دولة مكتفية ذاتياً بالنفط في عام 1990، إلى ثاني أكبر دولة مستوردة لمنتجاته في عام 2009. وإذا كان انخفاض تكلفة العمالة الصينية العالية الانضباط والأداء، رافعتها الاقتصادية الرئيسية عالمياً، فقد تراجعت هذه الميزة كثيراً بسبب انخفاض عائدات إنتاج هذه العمالة داخلياً. وبالنظر إلى تراجع عائدات التوسع الحضري، وتباطؤ نمو السوق التصديرية، مقارنة إلى ارتفاع تكلفة الواردات الأجنبية، مضافاً إليها تزايد تقدم سن السكان وانكماش العمالة، فسوف يكون مفاجئاً للكثيرين فيما لو تجاوز نمو الاقتصاد الصيني نسبة 5 في المئة خلال السنوات 2010-2030. وحتى في هذا المعدل الأخير، وفيما لو تعافى الاقتصاد الأميركي ليحقق نمواً سنوياً نسبته 2.5 في المئة، فإن ذلك يعني أن الصين لم تحقق سوى ما يزيد قليلاً على ما يعادل ثلث الاقتصاد الأميركي، اليوم، وإلى ما يقل عن ثلثي الاقتصاد الأميركي بحلول عام 2030. وبينما يتوقع استمرار انكماش العمالة الصينية، وأن يتسارع تقدم سنها بحول عام 2030، فسوف يستمر نمو العمالة الأميركية في المقابل بحلول العام نفسه. وعليه، فليس ثمة ما يبرر التنبؤ بتفوق الاقتصاد الصيني على الأميركي خلال مدة لا تزيد على 15 عاماً، طالما أنه ليس مرجحاً استمرار اتجاه سرعة النمو الاقتصادي الحالي الذي تحققه الصين. جاك إي. جولدستون مدير مركز السياسات الدولية بجامعة جورج ماسون ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"