لعبت شبكات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" دورا مهماً في الموجة الحالية من الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح العالم العربي في الوقت الراهن. ففي مصر أدت سلسلة من المظاهرات، والمسيرات، والإضرابات، التي قام بها ملايين المتظاهرين إلى الإطاحة بحكم مبارك الذي استمر لعدة عقود، كما تحتدم في الوقت الراهن احتجاجات شعبية مماثلة في عدد من دول العالم العربي الأخرى. وكان العنصر الأساسي في الحشد الجماهيري في شوارع وميادين تونس ومصر، هو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب الدعم لحقوق الشعب من داخل وخارج البلاد. وفي مصر على وجه الخصوص تم ذلك الحشد بشكل فوري عن طريق نشر رسالة الحشد عبر الإنترنت، وعن طريق وسائل الإعلام العربية النشطة. وليس العالم العربي وحده، هو الذي يشهد مظاهرات شعبية تنتشر عبر التويتر وفيسبوك، ولكن أكبر ديمقراطية في العالم، وهي الهند تشهد في الوقت الراهن حركة شعبية من نوع مختلف، حيث تتجمع تدريجياً موجة من الدعم الشعبي لفكرة صياغة قانون صارم لمعالجة مشكلة الفساد التي ضربت بجذورها في أعماق المجتمع. وفي معرض المقارنة بين هذه الحركة وبين ما يحدث في الدول العربية نلفت النظر إلى أن هذه الحركة تحصل على دعم قوي من الملايين من الهنود من خلال الـ"تويتر" والـ"فيسبوك" وغيرهما من أدوات التواصل الاجتماعي. ففي هذا الأسبوع، قام رجل يُدعى" أنّا هزاري" وهو ناشط محترم للغاية، وتلميذ نجيب من تلاميذ الزعيم الهندي التاريخي المهاتما غاندي، باحتجاج سلمي على الطريقة الغاندية من أجل دفع الحكومة الهندية لتبني إجراء قوي من أجل الحد من الفساد، وتقديم تشريع جديد لمحاربته في البرلمان الهندي. ومن أجل الضغط على الحكومة بدأ "هزاري" البالغ من العمر 78 عاماً إضراباً عن الطعام حتى الموت في دلهي. وقد حاول كبار المسؤولين الهنود، بدءا من رئيس الوزراء"مانموهان سنج" إلى رئيسة حزب "المؤتمر الهندي" السيدة"سونيا غاندي" إثناء "هزاري" عن مواصلة الإضراب عن الطعام، إلا أنه رفض الخضوع للضغط، مما أكسبه تعاطف وتأييد الملايين من الهنود من الطبقة الوسطى. وإضراب "هزاري" عن الطعام اكتسب تأييداً، ليس فقط من الهنود الذين يعيشون في الهند، ولكن أيضاً من الذين يعيشون خارجها، والذين تابعوا عن كثب أنباء فضائح الفساد في الدوائر السياسية الهندية. وقد انتشر خبر إقدام "هزاري" على الإضراب عن الطعام حتى الموت على الـ"فيسبوك" و"تويتر" انتشار النار في الهشيم في أركان المعمورة الأربعة، وبدأ الكثيرون من مستخدمي هذه المواقع يقارنون فيما يكتبونه بين ما يقوم به "هزاري" وما قامت به الثورة في كل من تونس ومصر. وللتعبير عن تضامنهم مع"هزاري" قام عدد كبير من منظمات المجتمع المدني الهندية بحث الهنود العاديين على الإضراب عن الطعام ليوم واحد. كما قام آلاف الهنود الذين ضموا أطباء ومهندسين وأخصائيين شباباً في تكنولوجيا المعلومات، بإحياء ما يعرف بـ"مسيرة داندي" وهي المسيرة التاريخية الاحتجاجية التي قام بها المهاتما غاندي، احتجاجاً على ضريبة الملح التي فرضتها السلطات البريطانية على بيع الملح للهنود. ففي نسخة معاصرة من تلك المسيرة التاريخية خطط الهنود في 300 مدينة داخل الهند وخارجها في مختلف دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، للقيام باحتجاجات منظمة عن طريق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ضد الفساد المتغلغل في الهند. يذكر أن غاندي كان قد دعا لـ"مسيرة داندي" الأصلية في مارس عام 1930 كوسيلة غير عنيفة للاحتجاج على احتكار بريطانيا لصناعة وتجارة الملح في الهند. وقد قاد غاندي هذه المسيرة لمسافة 390 كيلوكتراً منطلقا من مقره الرئيس بالقرب من مدينة"حيدر آباد" وحتى قرية "داندي" الصغيرة المطلة على بحر العرب من أجل حث الهنود على استخراج الملح من البحر، وتصنيعه بأنفسهم لكسر الاحتكار البريطاني لهذه السلعة الحيوية. وهذه المسيرة كانت هي السبب الذي أطلق حركة العصيان المدني الضخمة ضد الحكم الاستعماري البريطاني في الهند. بيد أن الشيء المختلف بشأن الحركة الشعبية الأخيرة في الهند دعماً لـ"انّا هزاري" وسعيه لإقامة نظام للمراقبة والمساءلة تقوم به السلطات الرئيسية الثلاث بالرقابة على بعضها منعاً لتجاوز صلاحياتها، هو أنها حركة قادتها الطبقة الهندية الوسطى التي تشهد نمواً سريعاً في الوقت الراهن. كان من النادر للغاية من قبل أن يقوم الهنود من أبناء الطبقة الوسطى بالتوحد على هذا المستوى، والنزول بالفعل إلى الشوارع احتجاجاً على تفشي الفساد. وربما يرجع هذا لحجم الإحباط، والسخط من المستوى الذي وصل إليه الفساد، الذي بدأ مع دورة ألعاب الكومنولث التي فاق حجم الإنفاق فيها المبالغ المقدرة في البداية بفارق كبير، كما فشلت اللجنة المنظمة لها في إتمام العمل في المنشآت الرياضية في موعده مما سبب الإحراج والفضيحة للبلاد. وتلا ذلك قضية فساد استولى فيه أقارب السياسيين على مساكن كانت مخصصة في الأصل لأرامل قتلى الحروب. وكانت أكبر قضايا الفساد تلك المعروفة بـ"جي - 2"التي تورط فيها وزير الاتصالات السابق السيد "راجا" الموجود في السجن في الوقت الراهن. وهذه القضية تتعلق ببيع رخص شبكات الهواتف النقالة في الهند، وتفيد الأنباء المتوافرة أن الخزينة الهندية قد خسرت بسببها مليارات الدولارات. كل هذه القضايا ركزت الأنظار على موضوع الفساد. وبالنسبة لبلد مثل الهند تعتبر من الاقتصادات الصاعدة في العالم، فإن ذلك الفساد كان من الطبيعي أن يلوث سمعة البلاد، ويحيطها بظلال كثيفة من الشك. واصرار "انّا هزاري" على موقفه، والدعم الذي حصل عليه من قبل الملايين أجبر الحكومة الهندية، ليس فقط إعلان استعدادها لتقديم مشروع القانون المقترح بخصوص محاربة الفساد أمام الجلسة القادمة من البرلمان، بل على الموافقة على إخضاع رئيس وزراء الهند وكبير قضاتها لأحكام هذا القانون أيضاً. ليس هناك شك أن هذه الخطوة، من حيث محتواها، كانت مختلفة عن الاحتجاجات الشعبية التي حدثت في العالم العربي إلا أن العاطفة التي اكتنفت الظاهرتين كانت واحدة تقريباً، وهي الرغبة الشديدة في جعل الأشياء أفضل. د.ذكر الرحمن مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي