في 2 مارس من العام 2006، انعقدت طاولة الحوار برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في قلب بيروت، في لحظة انقسام سياسي حاد بين فريقين سميّا 8 آذار و 14 آذار، وكرّسا اصطفافاً خطيراً في البلاد. أكرر القول ومن موقع المشاركة والمواكبة، أنها كانت أهم طاولة حوار في تاريخ لبنان الحديث، ولا أبالغ في ذلك. قال قادة البلاد حول الطاولة كلاماً في منتهى الصراحة والوضوح. أفرغ كل منهم ما في عقله وصدره وخلفية تفكيره. رموا أمام بعضهم أسرار غرائزهم ومشاريعهم في آن معاً. وخلصت الطاولة إلى اتفاق وبالإجماع حول نقاط أساسية كانت موضع خلاف وانقسام. جاءت حرب تموز 2006، أعادت وللأسف، بما رافقها وتبعها، تكريس صورة الانقسام بحدة أكبر. وعمقت أزمة الثقة بين القوى المختلفة وكانت لها لاحقاً انعكاسات وتطورات دراماتيكية في الداخل. لم ينفذ شيء من النقاط التي تم الاتفاق عليها سوى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا. وهي مسألة مهمة. لكن القضايا الأخرى بقيت موضع أخذ ورد وتجاذب، خصوصاً قضية الاستراتيجية الدفاعية التي ينبغي إقرارها وتعطي جواباً على الأسئلة وتبدد كل الهواجس المطروحة حول سلاح المقاومة أو منه لدى فريق من اللبنانيين، والذي ازدادت حضوراً وحدّةً في الطرح بعد أحداث السابع والحادي عشر من مايو 2008. عاد القادة اللبنانيون إلى الطاولة في بعبدا بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. ليعود النقاش حول الموضوع نفسه. لكن الحوار توقف لاحقاً، وهذا كان خطأً مهما كانت الأسباب. وعاد السجال الحاد حول السلاح يتجدد وترتفع وتيرته وبات الموضوع هدفاً أساسياً بالنسبة إلى فريق معين، وتطرح أسئلة كثيرة حول طريقة تقديم الأمر، وليس حول مشروعيته، وحق أي فريق في أن يطرح ما يشاء من الأفكار. اليوم وفي الذكرى الـ 36 لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان، والتي كان عنوانها الظاهر، السلاح الفلسطيني في لبنان، ودفع لبنان ثمنه غالياً بسبب عدم اتفاق أبنائه حوله، أو حول الوجود الفلسطيني أساساً، ثم دفع ثمن أسلحة الميليشيات خلال الحرب، ولاحقاً ثمن السلاح السوري – بمعنى الوجود السوري – وكلها مسائل كانت موضع خلاف، ولم يكن اتفاق حولها إضافة إلى أسباب عديدة أخرى. في النهاية انقسام اللبنانيين، وأحقادهم ضد بعضهم، ونزواتهم، وغرائزهم وتحدياتهم، وأحلامهم، وأوهامهم، كلها عوامل دفعت بهم إلى مشاريع خطيرة. وقلة قليلة منهم كانت تدرك أن النهاية ستكون طاولة حوار وتسوية. من هذه القلة من حاول تفادي ثم تأخير الانفجار والصراع – أبرز رموزها القائد الكبير كمال جنبلاط – واستنفد كل الوسائل والمحاولات للوصول إلى تفاهمات. اليوم، لبنان على مفترق خطير. ما يجري حوله في العالم العربي سيؤثر عليه. وما يهدده من إسرائيل يؤثر عليه دائماً، وما يجري في داخله ستكون آثاره مدمرة، لأنه ليس ثمة تعامل جدي مع التأثيرين الأولين بسبب الانقسام والحدة والرغبة الدائمة في الاتهام والانتقام بشكل متبادل بين قوى أساسية، والسلاح هو العنوان. قيل الكثير في هذا الموضوع؛ لكن الثابت والأهم هو الحوار بين اللبنانيين والعودة إلى الطاولة. ولذلك ينبغي الخروج من دائرة التشنج والهيجان والتفكير الهادىء بكيفية الخروج من المأزق الخطير على القواعد والأسس التالية: 1- رفض استخدام السلاح في الداخل من قبل أي فريق مهما كانت الأسباب. وأي سلوك غير ذلك هو خطيئة كبرى. 2- لا لأي موقف يكرر تعميم رفض الحوار أو القول إن لا جدوى منه مهما كانت الأسباب والمبررات. وبالتالي ضرورة تأكيد أن الحوار هو السبيل الوحيد إلى حل المشاكل والذهاب إلى طاولة الحوار. 3- يدعو رئيس الجمهورية وبعد تشكيل الحكومة أركان طاولة الحوار إلى الانعقاد. وتبقى اجتماعاتها مفتوحة. ولا تكون موسمية. ويأتي إلى الطاولة بخلاصة تكون قد أعدتها لجنة مختصة في الرئاسة، مستندة إلى دراسة الأوراق والأفكار والقوى السياسية حول الاستراتيجية الدفاعية. تقدم الخلاصة النقاط المشتركة بين هذه القوى ونقاط الخلاف أو التباين. يتم تثبيت المشترك والبناء عليه، لاستكمال النقاش حول الأفكار الأخرى. 4- يستكمل فريق 14 آذار طرحه الناقص حتى الآن، والذي يبني عليه حملته حول السلاح منذ أشهر، وهو لا يعطي أجوبة كاملة حول الآليات التي يجب اعتمادها ليكون السلاح في عهدة الدولة، ويكون عبور إلى الدولة. ولا يعطي أجوبة عن الدور المطلوب داخلياً وخارجياً والمسؤوليات في تطبيق القرار 1701، وتحرير الأرض لكي تنتفي الحاجة إلى السلاح، وما هو دور المجتمع الدولي صاحب هذا القرار هنا، وهو الذي يتفرج على إسرائيل تنتهكه يومياً، ولا يقول كلمة بل يحمي ممارساتها، كذلك لا يبادر إلى تقديم أي دعم للجيش اللبناني يمكن أن يعزز مناعته وقوته ودوره... فلا يكفي أن نطرح الشعار ونعبىء الناس– ناس هذا الفريق - وننسى أن هناك فريقاً آخر، شريكاً في البلد وأن هناك لبنانيين أيضاً من حقهم أن يفهموا ويعرفوا إلى أين ستقود هذه الحملة. العبور إلى الدولة، أم إلى مشكلة كبيرة في الواقع الحالي تدمّر الدولة؟ لأن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيؤدي إلى حرب جديدة وإسرائيل تختار لنفسها التوقيت فيها مستفيدة من هذا الانقسام في لبنان، من هذا الحقد الدفين في النفوس بين قياداته وأبنائه عموماً! مع التأكيد أن المطلوب هو عبور الى الدولة برجال دولة حقيقيين نفتقدهم كثيراً اليوم ، وعبور بالدولة من خلالهم الى كل المناطق وهو مفقود اليوم الى حدود بعيدة! 5- إن المقاومة معنية بشكل أساسي في هذا الموضوع. وهي مدعوة إلى المشاركة الفاعلة في النقاش على طاولة الحوار. لا يجوز إهمال الشريك وأفكاره. وصاحب القضية لا يخاف أي نقاش أو حوار. ولا يجوز مخاطبة الشريك في البلد: "هذه الاستراتيجية انقعها وأشرب ماءها". لا. المقاومة مطالبة بالحوار والنقاش والتفاعل للوصول إلى آراء موحدة. وأي تعاطٍ خارج هذا الإطار، وأي وقوع في فخ الاستدراج في استخدام السلاح في الداخل، ليس في مصلحتها بالتأكيد ولا في مصلحة لبنان كذلك فإن اهتزاز الوحدة الوطنية اللبنانية ليس في مصلحة أحد. سلاح الوحدة يقود إلى وحدة السلاح في كل المجالات. هكذا يتحصن لبنان ويثمر إنجازات المقاومة وتضحيات بنيه ويتعزز حضور الدولة. غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني