في الكتاب الذي نعرضه هنا، يناقش مارك مالوك براون التحديات التي تطرحها العولمة والفرص التي تتيحها في القرن الحادي والعشرين، مركزاً على الخبر الرئيسي في عصرنا الحالي: كيف بدأت السلطة الاقتصادية والسياسية تنتقل من العالم المتقدم القديم إلى العالم "الصاعد" الجديد. فقد شهد العام الماضي حدثين تاريخيين على الطريق نحو إكمال هذا الانتقال، حيث تمكنت الصين من تجاوز اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي، مباشرة بعد الولايات المتحدة. أما الحدث الثاني فهو تجاوز البرازيل لفرنسا وبريطانيا لتصبح خامس أكبر اقتصاد عالمي. غير أن التحول المؤسساتي مازال متأخراً عن التحول الاقتصادي؛ حيث مازالت الحكامة العالمية بين أيدي حفنة من المؤسسات التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين. صحيح أن مجموعة العشرين بدأت تضطلع تدريجياً بدور أكثر أهمية بخصوص رسم السياسة الاقتصادية العالمية، بعد أن حلت محل مجموعة السبع الكبار، إلا أن مجموعة العشرين أنشئت من أجل غرض محدد فقط، وهي لا تعدو كونها فرصة لالتقاء الزعماء، ناهيك عن أنها بدون سكرتارية مركزية أو مقر. هذه المؤسسات هي الأماكن التي أمضى فيها المؤلف معظم حياته المهنية؛ إذ عمل في الأمم المتحدة وتقلد مسؤوليات مختلفة كمنصب نائب الأمين العام، ومدير موظفي الهيئة الدولية في عهد كوفي أنان، ثم أصبح مديراً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقاد جهودها في مجال التنمية عبر العالم. وفي البنك الدولي عمل نائباً لرئيسه، ثم في حكومة براون العمالية في بريطانيا، كمسؤول عن تعزيز علاقات بلاده بإفريقيا وآسيا. ويمكن القول إن كتاب "الثورة العالمية غير المكتملة" هو بشكل عام قصة مارك مالوك براون خلال تلك الفترة كموظف دولي، بكل ما انطوت عليه من إحباطات ونجاحات. فتحت قرص ضوء قلما خصص للموظفين الدوليين، كان المؤلف في قلب أحداث عالمية شهدتها السنوات الأخيرة: في البنك الدولي عندما كان محاصَراً من قبل النشطاء المناهضين للعولمة، وفي الأمم المتحدة عندما واجه المنتقدين المحافظين الذين هاجموا دورها في التنمية. ويرصد الكتاب كيف أصبحت للمشاكل الداخلية -مثل البطالة والكوارث البيئية- جذور دولية بشكل متزايد خلال السنوات القليلة الماضية. لكن بينما يفقد السياسيون الوطنيون السيطرة أمام قوى عالمية (غير إنسانية)، فإنهم يضطرون ليصبحوا مشاركين أكثر فعالية في الآليات الدولية، مثل الأمم المتحدة التي يمكن أن تقدم الحلول الوحيدة القابلة للاستمرار. وهكذا وعلى نحو متزايد، بدأت الاتفاقات الخاصة بين المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، تملأ الفراغ الذي خلقه إخفاق الحكومات الفردية. ومن المعلوم أنه عقب الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، اضطر الكثيرون للاعتراف بأن الاقتصاد العالمي بحاجة إلى مؤسسات عالمية تحكمه. وهنا يجادل مالوك براون بأن ما يصدق على القطاع المالي، يصدق بكل تأكيد على قطاع الصحة العامة أو الفقر أو تغير المناخ، حيث يدعو إلى بناء مؤسسات دولية أكثر قوة وإلى تبني القيم اللازمة لدعم أجندة عالمية حقاً مثل حكم القانون، وحقوق الإنسان، وتكافؤ الفرص. ويستند مالوك براون إلى تجاربه على الخطوط الأمامية للتنمية الدولية خلال العقود القليلة الماضية، من دارفور إلى كمبوديا، من أجل تقديم رؤية شخصية مثيرة للاهتمام حول تحديات عالمية قد تبدو مجردة. ويقدم لمحة عن تفاصيل هذا "العالم الدولي": كيف مارس بونو (المغني والناشط السياسي الإيرلندي) تأثيراً فعلياً في قمة مجموعة الثماني الكبار في جلِنيجل بسكوتلندا عام 2005، وإجحاف الحملة التي استهدفت كوفي أنان عندما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة، وكيف كان الحراس الشخصيون للقذافي لا يجدون غضاضة في دفع أعضاء الوفود الأخرى في القاعة من أجل إفساح الطريق له. كما يقدم ملاحظات دقيقة حول نجاحات وإخفاقات هذه السنوات، مثل كارثة حرب الخليج الثانية، ويرسم بعض الطرق التي يمكن أن تتقدم بها الحكامة العالمية إلى الأمام. ولا شك أن كل هذا مفيد لمن يرغب في فهم سبل تفاعل السلطة السياسية مع المصلحة الاقتصادية؛ لكن السياسة تبقى وطنية، بينما يزداد الاقتصاد عالمية. والتوتر بين الاثنين لا يمكن أن يحل من قبل الموظفين الدوليين، مهما كانت درجة أهليتهم، فكل ما يستطيعون فعله هو الإشارة إلى أن المصلحة الذاتية الوطنية تقتضي إيماناً بقيمة العمل المشترك والتحلي بروح الفريق. أما إن كان الجيل المقبل من الزعماء السياسيين سيفهم هذه الرسالة ويستوعبها، فذاك موضوع آخر. محمد وقيف الكتاب: الثورة العالمية غير المكتملة... السعي وراء سياسة دولية جديدة المؤلف: مارك مالوك براون تاريخ النشر: 2011