في كتابه "عصر الخداع: الدبلوماسية النووية في أزمنة متقلبة"، يتحدث محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والرجل الذي قدر له أن يعيش في وسط المواجهات المتفجرة، عن تعاملاته مع الولايات المتحدة، ومفاوضاته مع إيران، والديمقراطية والإصلاح في الشرق الأوسط، وتوقعاته بشأن مستقبل عالمي يخلو من الأسلحة النووية تماماً. على مدى عقدين من الزمان، لعب البرادعي من خلال مناصبه التي تنقل بينها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى أصبح رئيساً لها عام 1993، دوراً رئيسياً في الصراعات الأكثر خطورة في عالمنا، وتمكن من المحافظة على درجة عالية من المصداقية لدى الأطراف التي تعامل معها، وبرز كرجل يتميز باستقلالية، وبشخصية شجاعة، لا تعرف المهادنة والحلول الوسط، وهو ما اتضح في تعامله مع الغزو الأميركي للعراق، والطموحات النووية لكوريا الشمالية، والمواجهة بين الغرب وإيران بشأن البرنامج النووي للأخيرة. ويأخذنا البرادعي في كتابه هذا، ومن خلال عرض واضح وعميق في الآن ذاته، إلى قلب النزاعات الدولية، ويبين لنا كيف مارس دوره في الأزمة العراقية، وزياراته المتعددة للعراق التي يتنبأ مسؤولوها أمامه بالحرب الوشيكة التي ستتعرض لها بلادهم، حتى إذا ما أثبتوا لمفتشي الوكالة أنه لا توجد بحوزتهم أسلحة أو مواد نووية. ويقول البرادعي في كتابه إنه عندما قام الجيش الأميركي بغزو العراق في مارس 2003، بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل، لم يتردد في التشكيك علنا في دوافع الإدارة الأميركية لشن تلك الحرب، ويوضح أنه كان قد ألقى بياناً أمام مجلس الأمن الدولي قبل تلك الحرب بشهرين قال فيه بالنص "إن فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لـم يعثر حتى تاريخه على أي أنشطة نووية مشبوهة في العراق"، ثم كرّر ذلك في كلمته أمام المجلس في مارس من نفس العام وقبل الغزو بأيام... وأنه حتى بعد أن وقع الغزو لم يتردد في التعبير عن حزنه ووصف يوم الغزو بأنه "أكثر أيام حياته بؤساً". كما يحكي عن مشاداته المحتدمة خلف الكواليس مع كوندوليزا رايس، وعن ضغط الولايات المتحدة عليه لتغيير موقفه بشأن البرنامج العراقي، ومحاولاتها الحثيثة للحيلولة دون التجديد له لفترة ثالثة عندما انتهت مدته الثانية كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005 ، كما يحكي عن زياراته لكوريا الشمالية ومباحثاته مع نظامها الغامض، كما يحكي أيضاً عن تعقبه لآثار شبكة تهريب المواد النووية التي كان يديرها العالم النووي الباكستاني عبدالقدير خان، ثم يتحدث بإسهاب عن البرنامج النووي الإيراني، والجهود الحثيثة التي بذلها من أجل دعم الاستخدامات السلمية لهذا البرنامج، والحيلولة دون تحوله لبرنامج عسكري، وهي جهود لم تعترف بها الولايات المتحدة كما يقول، واتهمته بأنه يتخذ موقفاً متخاذلاً من ذلك البرنامج، وهو ما فنده في حينه. كما يتحدث البرادعي بالتفصيل عن فرص تحقيق تقارب مع إيران، ورفضه للدخول في صراع عسكري معها من قبل الغرب، وللاقتراحات الداعية لضربها، على أساس أن أي إجراء عنيف من قبل الغرب سوف يشجع العناصر المتشددة في طهران على التطرف في مواقفها، والضغط للإسراع بتحويل برنامجها النووي للاستخدامات العسكرية. ويشير البرادعي في هذا السياق لمقابلة أجرتها معه قناة "سي إن إن" الإخبارية في مايو 2007 شجب فيها خيار اللجوء للإجراءات العسكرية كحل لما تراه دول الغرب وعلى رأسها أميركا، حلاً لأزمة الملف النووي الإيراني. وكان من بين ما قاله البرادعي في تلك المقابلة: "لا نريد أن تكون حجة إضافية لبعض "المجانين الجدد" الذين يريدون القول: هيا بنا نقصف إيران". ويؤكد البرادعي رفضه لجدلية "نحن" في مقابل "هم" في التعامل مع الملف النووي الإيراني أو أي من القضايا الدولية الملتهبة، ويرى أن هناك سبيلاً دائما للحوار، والتفاوض، والحلول الوسط، كنهج لحل أي مشكلة أو أزمة دولية. وبعد ذلك يتطرق البرادعي لنقطة مهمة، وهي أن أمن الدول يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن الأفراد، وأن الدول التي تكون شعوبها آمنة على أنفسها، عادة ما تكون دولاً آمنة، وأن السلام والأمن الدولي لا يتعلقان فقط بنزع الأسلحة النووية، أو الحيلولة دون الانتشار النووي، أو تحويل الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية إلى استخدامات عسكرية، وإنما يتعلقان بالاتفاقيات، والمعاهدات، والالتزامات بين الدول وبعضها بعضاً بالمحافظة على السلام، ومحاصرة بؤر التوتر والنزاع، والحيلولة دون تفاقمها، والعمل على إيجاد الحلول والتسويات لها، كما يتعلقان أيضاً بالمحافظة على الكرامة الإنسانية للأمم والشعوب، وبالقيم الديمقراطية وإنهاء الاستبداد والتسلط. وعن الديمقراطية والإصلاح في الشرق الأوسط يرى البرادعي أنهما لا يتحققان مع استمرار النظام الاستبدادي، وأن الأمر يتطلب نُظماً ديمقراطية حقيقية، بيد أن الحاجة تستدعي توعية الشعوب بمعنى الديمقراطية، وكونها لا تعني العملية الانتخابية فقط بل هي نظام متكامل يعني أن كل شخص شريك في وطنه، وله مجموعة من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها مثل: حق التعبير، وحق التظاهر، وحق الحياة الكريمة. سعيد كامل الكتاب: عصر الخداع... الدبلوماسية النووية في أزمنة متقلبة المؤلف: محمد البرادعي الناشر: متروبوليتيان بوكس تاريخ النشر: 2011