النظرة المتعمقة إلى القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن بشأن فرض الحظر الجوي على نظام القذافي، تثبت أهمية مشاركة الدول العربية. ومشاركة الإمارات ضمن قوات "الناتو" تفرضها اعتبارات عدة؛ منها متعلقة بنظام القذافي نفسه وطريقته في إدارة "أزمة الحكم" مع المحتجين. القذافي سد كل المخارج السياسية والدبلوماسية التي يمكن من خلالها إيجاد حل للأزمة، بل لم يترك "الباب موارباً" لعل شيئاً ما يحدث! وبدلاً من أن يبحث عن حلول للمطالب الشعبية ذهب بالشعب الليبي إلى خيارين أحلاهما مر: فإما أن يحكمهم بطريقته، أو يدخل معهم في حرب "الأرض المحروقة" التي يطبقها حالياً. وقد استخدم كل الأسلحة والأدوات، وبعضها غير مشروع. القذافي استعدى الجميع، فلم يترك أحداً يتعاطف مع نظامه، بل إن المقربين منه تخلوا عنه وتحولوا إلى المعارضة. هناك أيضاً اعتبارات عربية أقلها المكانة التي تحتلها الإمارات في السياسة العالمية فهي تمثل ثقلاً عربياً بعد أن تراجعت أدوار الدول التقليدية. بالتأكيد، اتصف القرار الإماراتي بالذكاء السياسي، ودخلت عملياً في تطبيق الحظر الجوي باعتبار أن القرار الأممي صدر بناءً على طلب عربي. ويمكن تصنيف القرار الجريء بأنه المخرج المناسب لاحترام العرب لقراراتهم، لأنه من غير المنطقي أن تصدر قراراً ولا تشارك في تنفيذه. وبما أن الأداء السياسي العربي متهم بـ"الصمت" تاريخياً فالإمارات هنا في هذا الموقف تحلت بالشجاعة السياسية ودخلت بصورة مباشرة. ويمكن النظر إلى المشاركة السياسية والعسكرية الإماراتية في هذا الحظر من زاوية البعد الإنساني؛ فهناك الذين أجبرتهم الظروف على الخروج من ليبيا ليصطدموا على الحدود بدولتين، مصر وتونس، تعانيان من أزمات سياسية بسبب مرحلة انتقال السلطة فيهما. باختصار، الإمارات انحازت إلى الشعب الليبي، وانحازت أيضاً إلى الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، بعد أن ذكّر القذافي العالم بما فعله صدام بشعب العراق وميلوسوفيتش بأهل البوسنة والهرسك وكوسوفو. يوشك العرب اليوم أن يفوتوا فرصة تاريخية لتعديل أدائهم في معالجة القضايا وإنقاذ شعب عربي. منطقياً لا يمكن لعاقل أن يقف مع نظام فقد شرعيته، وهو مطلوب لدى محكمة العدل الدولية. والحقيقة أن تكرار الصمت العربي يذكرنا بالموقف العربي مع العراق، عندما تركوا المجال للآخرين ليستفيدوا من فراغه السياسي. الموقف الإماراتي سواء تمثل في المساعدات الإنسانية مع بداية الأزمة أو في قرار المشاركة ضمن الجهود الدولية لفرض الحظر، هو عين الصواب والمنطق. المجتمع الدولي اليوم يقترب من الخطوط الواضحة للتعامل مع المشهد الليبي الذي يزداد تعقيداً وعبثية. وبالتالي، فإذا لم ينتبه العرب ويختاروا التعامل مع الشعب الليبي فسنثبت أننا لم نستفد من تجارب التاريخ ودروسه. العالم لن يقف في انتظارنا مادامت له مصلحة هناك، لكن الحكمة تقتضي الاستفادة من التجارب التي أفقدت العرب الكثير. الدول العربية كلها أمام خياري السكوت على ما يفعله القذافي بشعبه، والانحياز للشعب الليبي الذي لم يقترف ذنباً يعرضه لكل هذه الضربات العسكرية من جانب قوات القذافي. الشعب الليبي الشقيق يعاني نقصاً في المواد الغذائية والأدوية. والواضح أن القذافي مصمم على المضي حتى النهاية والتمسك بكرسي الحكم حتى آخر قطرة من دماء الليبيين... فهل يظل العرب في موقف المتفرج؟! مح