سيبقى عام 2011 خالداً في الذاكرة العربية، فقد تلاحقت أحداثه من تطوان وطنجة في المغرب حتى درعا والقامشلي في سوريا، فتساقطت ديكتاتوريات واهتزت أخرى وتبدلت حكومات، والبقاء لله الكبير المتعال. أنا سوري ودعت بلدي قبل 35 عاماً، لأعيش نصف عمري في الدياسبورا، وأسأل: هل أنا في حلم أم علم؟ أهو مجرد حنين كاذب أم أن الوطن حقيقة؟ ثم أتذكر قول الله تعالى لنبيه أيوب: "وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين". لقد قطعت نصف الكرة الأرضية، وأصبحت من أهل كندا، وتخصصت طبياً في ألمانيا، وعشت في الخليج، ودفنت زوجتي في مونتريال، وزرعت أحفادي في أقصى الأرض، بعد أن نفضت إزاري، وغسلت يدي سبعاً إلى المرافق، وقلت إني مهاجر إلى ربي. لا أظن أني لو تبدلت الأحوال عائد لاستقر على الأنقاض هناك، فلو أن بلدي دخل التاريخ ووقف على قدميه فهو بحاجة إلى نصف قرن من الترميم، إن لم يكن عملية استبدال مفاصل الحياة برمتها. ومع هذا فالإيمان هو الأمل، ولقد ولد الأمل من رحم اليأس، على غير موعد وميعاد، ورأيت الحياة في بلدي تدب دبيبا، وكأني أراقب معجزة، فأقول: سبحان من يخرج الحي من الميت، وسبحان من أنزل أطول سورة في القرآن وهي البقرة، من أجل قصة رجل ميت ضرب بلحم بقرة ميتة فانتفض من رقدة الموت ليدل على قاتله: "فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون". وبعدها مباشرة يبين القرآن كيف تنبجس ينابيع الفهم من دماغ "ناشف" لا يفهم، مثل الحجارة، وإن من الحجارة لما يتشقق فيخرج منه الماء. توقعي، وأظنه لن يخيب، أن عام 2011 لن يختم إلا وتغيرات كثيرة وعميقة قد حدثت في العالم العربي. فقد دلف بغض الطواغيت إلى ملفات النسيان، طار اثنان، وهناك آخرون على قائمة الانتظار القصير، وإن ماطلوا وراوغوا كما يروغ الثعلب لحين الإمساك به! كانت أمي تقول في أمثالها: ما أشد مكر الثعلب، وما أكثر توفر جلده في الأسواق! ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. خلال أقل من ثلاثة أعوام سيتحول العالم العربي إلى الديمقراطية، وخلال ثلاثين عاماً سيكون العالم شاهداً على الاتحاد العربي، ومجدداً سيدخل العرب مسرح التاريخ بإذن الله تعالى. نحن الآن شهود على ثلاث ميزات: استعادة الشعوب ثقتها بنفسها عبر تخطي حاجز الخوف، واكتشاف طريق اللاعنف في التغيير، وولادة الإنسان العربي الجديد المحمل بغيوم الأمل الماطرة. إنه عصر جديد؛ فقد تغير ما بالنفوس، وانطلقت حركة تغيير الواقع.