تسَلم الدكتور عبداللطيف الزياني مهام منصبه الجديد أميناً عاماً لمجلس التعاون بداية هذا الشهر؛ ليكون الأمين العام الخامس لمجلس التعاون الذي أنشئ عام 1981 بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف تضمنها النظام الأساسي للمجلس، وتتلخص في تحقيق التكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، تلي ذلك ثلاثة أهداف تصبُّ في صلب الهدف الأول، من حيث وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين كالشؤون التجارية والجمارك والمواصلات والتعليم والثقافة والشؤون الاجتماعية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والإدارية، بما يعود بالخير على شعوب دول المجلس. وقد عاصر مجلس التعاون تحديات مهمة تمثلت في الحرب العراقية الإيرانية، والوضع في أفغانستان، واحتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث، واحتلال العراق لدولة الكويت، والأزمة الاقتصادية عام 2009، والتطرف والإرهاب والتفجيرات التي طالت بعض مدن دول المجلس، إضافة إلى الملفات العربية دائمة الحضور في جداول أعمال الوزاري والقمم الخليجية مثل: القضية الفلسطينية، ولبنان، والعراق، واليمن، والصومال، ومفاوضات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، ونزع أسلحة الدمار الشامل، والوضع في الشيشان، وأزمات السودان... وغيرها من الملفات التي تعامل معها المجلس بكل صدق وإخلاص. ويأتي الآن دور الدكتور عبداللطيف الزياني كي يُكمل مسيرة الأمناء الأربعة السابقين، والذين كان لكل منهم دوره وظروف عمله المختلفة عن الآخر. وكانت مرحلة عبدالرحمن العطية مرحلة قطف الثمار في مسيرة المجلس، وتحقُق الكثير من الإنجازات التي كان ينشدها شعب الخليج، إلا أنها لم تكن مرحلة سهلة فيما يتعلق بالأحداث الجارية على الساحة العربية، وشؤون الجوار، واختلاف وجهات النظر فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، والتنقل بالبطاقة، وتحقيق المواطنة الاقتصادية. وهي مرحلة كان التأسيس لها على يد أمناء سابقين مثل عبدالله بشارة وفاهم القاسمي وجميل الحجيلان. وفي أول تصريح للأمين العام الجديد، الزياني، قال إن أولوياته تتركز على تفعيل العمل الخليجي المشترك، مشيراً إلى أنه كُلف من قبل القادة بالاهتمام بخمسة مجالات هي: تقوية الدفاع والأمن، تقوية الاقتصاد الخليجي، التنمية الإنسانية، السلامة العامة ومواجهة الكوارث، تعزيز المكانة الدولية لدول المجلس. ولا خلاف على قيمة وأهمية هذه المجالات، لكننا نذكر هنا بأن مجلس التعاون ظلَّ على الدوام - في فكر النخب الخليجية والعربية- مجلس حكام! كما أن بُطءَ مسيرة المجلس حتّمت انتقاده من قبل القادة أنفسهم حيث قال أغلبهم بأن ما حققه من إنجازات لا يرقى إلى طموحات المواطنين. لذلك، فإن توطين مجلس التعاون، أي جعله أكثر التصاقاً بقضايا المواطنين، يظل أمراً في غاية الأهمية. فالشعوب لا تدرك ولا ترى الإنجازات التي لا يُعلن عنها، وهي مهمة جداً مثل قضايا الدفاع والأمن والتنسيق في هذين المجالين. وهي تريد من المجلس أن يعبّر عنها مباشرة، وأن يكون لها حضور في ملفات أمانته العامة، رغم إدراكنا أن ما يفعله القادة يصبُّ في هذا الاتجاه. لكن ظروف عام 2011 ليست كظروف عام 1981 عندما أنشئ المجلس. وعقليات الشعوب لم تعد كما كانت في السابق. لقد قامت ثورات عربية اعتماداً على وسائل الاتصال لا وسائل القتل والتدمير. وقضية احتضان الشعوب اليوم تبدو أكثر أهمية من غيرها. ونعتقد أن الأحداث الأخيرة في بعض دول المجلس تحتّم على الأمانة العامة تأكيد حضور المواطن الخليجي في أجندات الاجتماعات المهمة. وقد أحسنَ المجلس صنعاً بأن أدخل في قاموسه السياسي لأول مرة، في سبتمبر الماضي، مسألة حقوق الإنسان. وكان بالإمكان إنشاء إدارة خاصة في الأمانة العامة تُعنى بحقوق الإنسان، لأن ذلك أمر لا يمكن تأجيله، إذ من شأن إدارة كهذه أن تحث الدول الأعضاء -وقد وقّعت على المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان- على استكمال إجراءات ممارسة شعوب المجلس لحقوقها المقررة في تلك المواثيق، حتى لا يكون المجلس محلَ انتقاد من الجهات الدولية ذات الصلة. فاستقرار المواطن وتحقيق المواطنة الخليجية يُعتبر إنجازاً مهماً ودرءاً لكل خطر يتهدد المجلس، بل إن المواطنة تقضي على الفئوية والطائفية التي مزّقت بعض الدول. الموضوع الثاني المهم هو قضية الدفاع عن دول المجلس. نحن ندرك أن قوات درع الجزيرة إضافة مهمة للعمل الخليجي المشترك. وقد لعبت هذه القوات دوراً مهماً وإن كان محدوداً في تحرير الكويت! كما أسهمَ حضورها - في أحداث البحرين الأخيرة -في تجسيد التلاحم العسكري بين دول المجلس. لكن مع ذلك، فإن عدد هذه القوات وتدريباتها، يحتاج إلى مراجعة، وهي حتماً سوف تحل محل القوات الأجنبية في المنطقة مهما طال الزمن. الموضوع الثالث هو الديمقراطية. ويجب ألا نخشى من ذكر هذه القضية، لأن الأحداث تتوالى في دول المنطقة. وقد نجح المجلس في جمع رؤساء المجالس التشريعية في دول المجلس عام 2009، وعبّرت قمة الكويت في ديسمبر من ذات العام عن الارتياح لما توصل إليه اجتماع رؤساء تلك المجالس وأشاد بجهودها. لكن يظل ذلك بعيداً عما تراه ُالنخب الخليجية المثقفة، وهو التمثيل الشعبي المباشر، وأن يصل صوت المواطن إلى مجلس التعاون، ليس في صورة شكوى من معاملة تجارية أو حركة مرور، أو طلب ترخيص، بل في صورة دراسات وقضايا تتعلق بمستقبل الديمقراطية في دول المجلس. لأن التنمية الاقتصادية التي نراها ماثلة في دول المجلس لابد أن ترافقها وتتوازى معها تنمية بشرية تتمثل في إرساء النظام الديمقراطي السليم، والذي سوف يحفظ البوصلة من الضياع، ويؤمّن توازن العلاقة بين الحكومات والشعوب في هذه الدول. ونعتقد أن الوقت حان لطرح هذا الموضوع. أما الموضوع الرابع فهو الحريات! لقد برزت في الآونة الأخيرة مظاهر لتقييد الحريات في بعض دول المجلس، لكن الإعلام يضخم الوقائع أحياناً. وعلى مجلس التعاون أن يكون جاهزاً لمثل تلك الأمور. كما ينبغي أن يكون مبادراً في قضية الحريات. نحن ندرك أن هذا مصطلح " أحمر" لدى البعض، لكن حقائق الأيام والتاريخ تلزمنا أن نذّكر ونقترح. لذلك فوجود إدارة في الأمانة العامة تعمل على تقصي الحقائق، وتقديم الرؤى لأصحاب القرار فيما يتعلق بالحريات يعتبر أمراً مهماً وإيجابياً في مسيرة المجلس. ويتطلب الأم تعديل بعض القوانين والممارسات التي لا تتماثل مع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والتي كانت محل انتقاد في مجلس حقوق الإنسان بجنيف. وهذا يحقق ما عبّر عنه الأمين العام الجديد للمجلس حول "تعزيز المكانة الدولية لدول المجلس". الموضوع الخامس والأخير أن الأمين العام السابق كان قد استن سنة حميدة بتواصله مع النخب الخليجية من خارج الإطار الرسمي. وكان يجتمع معهم ويتداول ويسمع منهم ما يمكن أن يفيد المسيرة الخليجية. لهذا نقترح على الأمين العام الجديد أن تستمر تلك العلاقة الجميلة بين الأمانة العامة والنخب الخليجية، فهي تعبّر عن نبض الشارع، والذي جاء الوقت كي يتم الاستماع إليه، مع تقديرنا للانشغالات والقضايا التي تتحملها الأمانة العامة. وأخيراً، فلا مناص للمجلس من التعاون مع أبنائه، فهم السند وهم الظهر عند توالي الخطوب. وكلما تقرّب المجلس من الشعوب، كان ذلك أدعى وأقوى لعلاقة الشعوب مع دولها. ونتمنى للأمين العام السابق التوفيق فيما قد يُعهد به إليه من مهام، في الوقت الذي نرحب بمعالي الدكتور الزياني ونهنئه بتسلمه مهام عمله الجديد، ونحن واثقون أن خبرته خير معين له في التعامل مع قضايا ومهام الأمانة العامة بكل اقتدار.