إنهاء مشكلة السمنة لدى الأطفال هو الهدف الذي تسعى لتحقيقه سيدة أميركا الأولى، ميشيل أوباما، من خلال المبادرة المعروفة باسم "هيا بنا نتحرك". وتركز السيدة أوباما جهودها على الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً من يومهم في الجلوس، وعلى أساليب التغذية العديدة غير الصحية، باعتبارهما سببين من أهم الأسباب المؤدية لتفشي وباء السمنة بين الأطفال الأميركيين. وفي النقاش الدائر في الولايات المتحدة بشأن تفشي السمنة بين البالغين، نجد أن المحاور التي يدور حولها ذلك الحوار لا تختلف كثيراً عن الحوار الدائر بشأن تفشي السمنة بين الأطفال، ولعل من أهمها أن زيادة الوزن بين الأميركيين ترجع لافتقارهم للرغبة في اتباع أساليب حياة صحية، واعتمادهم في تغذيتهم على وجبات غير صحية، ورخيصة لحد كبير، نتيجة للدعم الذي يحصل عليه المزارعون الذين يقومون بزراعة المحاصيل الغذائية التي تستخدم في صناعة تلك الوجبات، ومنها الذرة مثلاً. لكن مشكلة السمنة أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، حيث تبين أن الوجبات المذكورة في الإرشادات الصحية الرسمية التي تنشرها وزارة الزراعة الأميركية، والتي تحتوي على أنواع الأغذية الصحية، غير متاحة لمعظم الأميركيين. فقد أثبت باحث في جامعة واشنطن، أن الأسر الأميركية التي تتلقى كوبونات إعانات غذائية ليس بمقدورها شراء تلك الأنواع من الأطعمة. ورغم أن الأسس التي يتم بناء عليها منح تلك الكوبونات محددة بدقة، وبطريقة تسمح للأسر المستفيدة بشراء الأطعمة الصحية بأسعار رخيصة، إلا أن الأبحاث التي أجرتها وزارة الزراعة الأميركية، تبين أن أسعار المواد الغذائية تختلف بدرجة كبيرة من ولاية لأخرى. وهذا يعني أنه إذا ما كان المرء يعيش في منطقة ترتفع فيها أسعار مواد غذائية من تلك المدرجة في القائمة الإرشادية الرسمية لوزارة الزراعة، فقد يتعذر عليه تزويد عائلته بوجبات صحية، مما يضطره غالباً إلى الاكتفاء بالأطعمة ذات المحتوى الدهني الكبير، والرخيصة الثمن، والمضرة صحياً، والتي تعتبر أحد الأسباب المؤدية لانتشار السمنة بين الأميركيين من مختلف الأعمار. والسمنة مشكلة لا تتعلق تماماً بقوة إرادة الشخص وقدرته على تحديد ما الذي يتناوله، وما الذي يجب أن يتركه، لكنها مشكلة تتعلق إلى حد كبير بالوضع السوسيو اقتصادي لكل شخص. ويدفعنا هذا للقول بأن السياسات الفيدرالية ينبغي أن تعالج هذه المشكلة بجعل الأطعمة الصحية أرخص سعراً، بحيث تكون في متناول معظم الأسر الأميركية، وخاصة الأسر منخفضة الدخل. ويشار إلى أن الكثير من المقالات الصحفية قد ربطت بين موضوع السمنة بين الأطعمة الرخيصة وبين الدعم الممنوح لمزارعي الذرة. وفي رأيي أن هذا ليس السبب الوحيد لأن الأطعمة التي يطلق عليها Junk food أرخص من الخضراوات والفواكه. وحتى بدون منح إعانات للذرة، فإننا نجد أن الأطعمة الطازجة غالباً ما تكون مرتفعة الثمن لأن دورة حياتها على أرفف المحلات التي تباع فيها غالباً ما تكون قصيرة. ومثل هذه المحاصيل الغذائية تحتاج إلى عمليات جمع من الحقول، وتعبئة، وشحن، وتخزين، وشراء، ثم بيع... قبل أن تفسد. والتراجع عن دعم المحاصيل الغذائية لن يجعل البدائل الأكثر صحية أرخص من غيرها. والحل وفقاً لمقترح من قبل مساعد وزير العدل الأميركي الأسبق "جنرال روبرت رابين"، هو منح إعانات للفواكه والخضراوات ذات القيمة الغذائية الكبيرة والفعالة في أي نظام لمقاومة السمنة، مما يؤدي لانخفاض سعرها، وجعلها في متناول المستهلكين. وانخفاض الأسعار، يرسل رسالة واضحة لهؤلاء لمن يعيشون بميزانية محدودة. ففي ولاية ماساتشوستس مثلاً، توجد حالياً برامج خلاقة يجري تنفيذها لجعل المواد ذات القيمة الغذائية العالية أرخص سعراً، وفي متناول الفئات التي كانت لا تمتلك الإمكانيات اللازمة لشرائها. فمعظم الأسواق التي تباع فيها السلع التي يعرضها المزارعون مباشرة تقبل كوبونات الإعانات التموينية، كما تستخدم الصناديق الممولة من قبل الجمهور العادي، لزيادة قيمة كوبونات الإعانات عند استخدامها في أسواق المزارعين، ما يتيح الفرصة أمام أصحاب تلك الكوبونات للاستفادة منها مرتين في شراء الخضراوات والفواكه. ومن ناحية أخرى، ينبغي على مشرعي القوانين في واشنطن إتاحة أموال الصناديق الفيدرالية، لدعم هذا التوجه نحو تسهيل أصحاب كوبونات الدعم لشراء الخضراوات والفواكه من أسواق المزارعين. ويشار في هذا السياق إلى أن أعضاء الكونجرس كانوا قد وعدوا بتخفيض، وليس بزيادة، الإنفاق الحكومي هذا العام، وبالتالي فالحصول على إعانة جديدة من جانب الكونجرس للخضراوات والفواكه لن تكون من المشروعات المدرجة على قائمة أولوياته. كما يشار إلى أن فاتورة تغذية الطفل التي تم تمريرها في أكتوبر الماضي قد خصصت ما قيمته 375 مليون دولار لبرامج الولايات المخصصة للوقاية من السمنة، ولتوعية الفئات المنخفضة الدخل حول أضرارالسمنة ومزايا الأطعمة الصحية. لذلك، على الكونجرس تحويل نصف هذا المبلغ للدعم المباشر للتغذية من خلال مضاعفة منافع كوبونات الدعم عند استخدامها لشراء المواد الغذائية من أسواق المزارعين. وهذا الإجراء لن يكلف دافعي الضرائب أي أعباء جديدة، لكنه سيؤدي حتماً إلى زيادة المنافع من خلال إنفاق الأموال المخصصة بالفعل. ماتيا كرامر محاضرة في كلية كنيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"