بينما لا تزال اليابان تصارع من أجل احتواء أسوأ كارثة نووية عرفها العالم بعد كارثة مفاعل تشيرنوبل، أعلنت شركة الطاقة الكهربائية لمدينة طوكيو -التي تعرف اختصاراً باسم "تيبكو" في نهاية الشهر الماضي عن خطط مستقبلية طموحة تنوي تنفيذها. فالشركة تخطط لبناء مفاعلين نوويين جديدين في محطة فوكوشيما دايتشي نفسها التي لا تزال الإشعاعات النووية تتسرب منها. ففي السادس والعشرين من شهر مارس المنصرم، أطلعت إدارة "تيبكو" مسؤولي محطة فوكوشيما على رغبتها في بناء مفاعلين جديدين بحلول ربيع العام المقبل، وكان ذلك الإخطار بعد أسبوعين فحسب من الانفجار الذي تعرضت له محطة "فوكوشيما" للطاقة النووية، جراء الهزات الأرضية والزلازل التي تمخضت عن سلسلة من الكوارث لا تزال الشركة نفسها والسلطات المحلية والوطنية العامة عاجزة عن احتوائها. وكان الاقتراح المتعلق ببناء المفاعلين الجديدين قد تم تضمينه في تقرير رسمي رفعته إدارة "تيبكو" إلى سلطات العاصمة طوكيو في الحادي والثلاثين من مارس الماضي، في إطار التقييم السنوي لتنامي حاجة اليابان إلى إمدادات الطاقة الكهربائية. ولم يكن لأحد أن يصدق هذا، على حد قول "يويشي نوزاكي" -المدير العام لإدارة تخطيط وتنسيق منطقة فوكوشيما، التي تشرف على مسائل الطاقة في عاصمة هذا الإقليم الأكثر تأثراً بأسوأ كارثة نووية عرفها العالم منذ انفجار مفاعل تشيرنوبل. وحين أخطرت شركة "تيبكو" المسؤولين بإدارة الطاقة بالإدارة المحلية في فوكوشيما عن نواياها المتعلقة ببناء المفاعلين، أسرع "نوزاكي" بإبلاغ حاكم الإقليم الذي تلقى الخبر بردة فعل غاضبة جداً بقوله: ما الذي يحدث هنا على وجه التحديد؟ وعلى الفور التقى "نوزاكي" برئيس الفرع المحلي لشركة "تيبكو" وأخطره بالرفض التام لخطة الشركة غير المعقولة. كما تلقى فريق آخر من الشركة في طوكيو رسالة الرفض التام ذاتها لفكرة بناء المفاعلين الجديدين. وقال مسؤولون من الشركة إن "نوزاكي" قد أعطي تعليمات من مسؤولي المحلية ببذل كل الجهود الممكنة لحل المشاكل والأزمات الموجودة أصلاً، قبل التفكير في قبول بناء أي مفاعلات نووية جديدة. غير أن الشركة رفضت التراجع عن خطتها، ومضت قدماً في تسليمها إلى مسؤولي وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، المعروفة اختصاراً باسم "ميتي" في طوكيو. وبعد أن عصفت كارثة انفجار مفاعلات فوكوشيما دايتشي بسمعة الشركة وماليتها، فقد أصبح على "تيبكو" العمل على احتواء أزمة جديدة خلقتها لنفسها. فقد أثار الإعلان عن نية الشركة بناء مفاعلات جديدة لأول مرة عبر إحدى صحف محلية في فوكوشيما يوم الأحد الماضي، موجة غضب عامة وزادت سكان الإقليم ذعراً على ذعرهم المستمر حتى الآن جراء الانفجار الأخير بالمحطة. من جانبه صرح "هيروشي إيزاوا" -مسؤول بشركة "تيبكو" في فوكوشيما- قائلاً في الرد على الاستجابة الغاضبة هذه على خطة الشركة المستقبلية يوم الاثنين قبل الماضي: لقد حدث سوء فهم ما لهذه الخطة. فقد انشغلت الشركة كثيراً بالسعي والعمل المستمر من أجل السيطرة على انفجار مفاعلات فوكوشيما دياتشي والاستمرار في توفير الطاقة الكهربائية ومنع انقطاعها عن المواطنين. ولذلك فلم يتوفر للشركة من الوقت ما يكفي لمراجعة خطتها المستقبلية الأصلية التي وضعت قبل الهزات الأرضية والتسونامي اللتين ضربتا فوكوشيما في الحادي عشر من مارس المنصرم. ولكن لم تكن هذه الإجابة مقنعة لمسؤولين من أمثال "نوزاكي" رئيس قسم تخطيط الطاقة بمحلية فوكوشيما، إذ علق قائلاً: لست أدري ما يفعله مسؤولو "تبكو" وكيف اختاروا هذا الوقت بالذات لتقديم خطة ببناء مفاعلين جديدين؟ لست أدري، فعليكم أن توجهوا هذه الأسئلة إليهم. وأضاف "نوزاكي" قائلاً: غير أن الذي أعلمه جيداً الآن، هو عدم معقولية التفكير في بناء مفاعلين جديدين في محطة لا تزال الإشعاعات النووية تتسرب منها. فهذا أمر غير مقبول تماماً بالنسبة لنا. وبدلاً من مجرد النظر إلى الطلب الجديد الذي تقدمت به شركة "تيبكو" ينشغل "نوزاكي" بلقاء كبار المسؤولين في الإدارة المحلية لفوكوشيما كي يعرف آخر الأخبار والأرقام عن مستوى التسرب النووي من مفاعلات محطة فوكوشيما دايتشي. يذكر أن شركة "تيبكو" كانت قد أعلنت الأسبوع الماضي عدم إمكانية عودة أي من المفاعلات الأربعة المنفجرة إلى الخدمة مجدداً في أي وقت من الأوقات. ومع ذلك رفعت الشركة تقريراً سنوياً إلى وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة في طوكيو "ميتي" تتضمن خطة لبناء مفاعلين جديدين في ذات المحطة التي أعلنت الشركة نفسها عدم إمكانية عودة أربعة من مفاعلاتها إلى الخدمة بسبب الانفجار الذي تعرضت له! وكما هو متوقع، فقد أرغم هذا الغضب الشعبي -خاصة من قبل فلاحي منطقة فوكوشيما- وكذلك الغضب والرفض الرسميين لخطة بناء المفاعلات الجديدة، مسؤولي شركة "تيبكو" على التراجع عن الخطة. هذا ما أكده ناطق رسمي باسم الشركة في طوكيو عبر تصريح تلفزيوني بقوله: نحن نأسف على تقديم خطة الشركة للعام المقبل كما هي، دون مراعاة لمشاعر المواطنين المحليين في فوكوشيما. وقال هذا المتحدث ويدعى "هيرو هاسيجاوا" إن الشركة سوف تراجع خطتها متى ما أكملت تقييمها لآثار كارثة الهزات والتسونامي الأخيرة. وفي غضون ذلك، ظهر نائب رئيس شركة "تيبكو" عبر شاشة تلفزيون طوكيو وأعلن استحالة بناء المفاعلين الجديدين اللذين اقترحتهما الشركة. أندرو هيجنز كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"