الحروب من دون استثناء عبارة عن مقامرات مرعبة. والحروب التي تقترن بدعاوى إنسانية على وجه الخصوص، تحمل في طياتها طائفة مخيفة من المخاطر والمشكلات لعل أهمها على الإطلاق ذلك التحدي المتعلق بمنع وقوع كوارث إنسانية كبيرة بموارد محدودة. وفي ليبيا بدأ الرئيس الفرنسي، ورئيس الوزراء البريطاني ، ومعهما الرئيس الأميركي يواجهون بالفعل العديد من المعضلات الكلاسيكية التي عاني منها أسلافهم عند مواجهتهم للمذابح والإبادات الجماعية في الصومال، والبوسنة، ورواندا. عادة ما تقف الديمقراطيات الكبيرة في العالم ساكنة خلال ارتكاب أسوأ الفظائع كما حدث في حالة المحرقة النازية وحالة رواندا، ولكنها تتدخل في أخرى أقل بكثير إذا كان الأمر يتعلق بحماية المصالح الاستراتيجية الأساسية. ولكن الذي دفع الحلفاء الغربيين للتدخل في ليبيا، على الرغم من ذلك، هو أن المدنيين في بنغازي كانوا سيتعرضون لمذبحة رهيبة على أيدي قوات القذافي، كانت ستتردد أصداؤها عبر المنطقة وتلوث ضمير العالم. وهذا يطرح المعضلة الأولى الحتمية: طالما أن الهدف هو الدفاع عن البشر وأن هناك بشراً يواجهون عنفاً في أماكن عديدة، فكيف يمكن لدولة أو مجموعة من الدول التدخل لحماية البشر في منطقة دون الأخرى، دون أن يواجهوا اتهاماً بالنفاق؟ فمن المعروف أن الفظائع الإنسانية لا تكف عن الوقوع في مناطق مختلفة من العالم، وأن هناك دولًا واجهت تهديدات بوقوع مذابح تفوق ما هو موجود في ليبيا، فما الذي دفع الحلفاء الغربيين إلى التدخل في ليبيا، وعدم التدخل في غيرها؟ وهناك سؤال يرتبط بذلك هو: لماذا تقف الولايات المتحدة، وبعض دول التحالف الغربي وراء بعض الأنظمة السلطوية، في الوقت الذي تقوم فيه مثل تلك الأنظمة بقمع شعوبها؟ وقد نجد هناك من يتساءل: حتى إذا ما افترضنا أن التدخل الإنساني في ليبيا كان مبرراً من وجهة نظر القادة الغربيين، فلماذا يكتفي هؤلاء القادة بأنصاف الحلول مثل الاكتفاء بفرض منطقة حظر طيران فحسب؟ الإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى "المعضلة الكلاسيكية الثانية، التي يواجهها التدخل العسكري لأغراض إنسانية، وهي أن القادة الديمقراطيين الغربيين يهدفون دوما، لمحاولة تنفيذ المهام المتعلقة بهذا التدخل بتكلفة زهيدة قدر الإمكان. فساركوزي على سبيل المثال، قد يحقق مكاسب سياسية من التدخل في ليبيا، فأمامه انتخابات رئاسية العام المقبل، ويهمه أن يحرز نقاطاً في الخارج يعزز به فرصه في الداخل، ولكنه يريد أن يفعل ذلك بتكلفة زهيدة. وقد لا يتحقق هذا على أرض الواقع خصوصاً إذا انحرف التدخل العسكري لأغراض إنسانية عن أهدافها، أو واجهته ظروفاً غير متوقعة، حالت بينه وبين تحقيق هذا الهدف. المعضلة الثالثة المتعلقة بالتدخلات العسكرية لأغراض إنسانية أن تلك التدخلات تستخدم موارد محدودة في الوقت الذي ترفع فيه قائمة أهداف كبيرة. أما المعضلة الرابعة، فهي أن الحروب الإنسانية مثلها مثل أي نوع آخر من الحروب تميل إلى التصاعد مع مرور الوقت. بعد معرفة هذه المعضلات الأربع عن الحروب الإنسانية نقول إن ساركوزي وكاميرون وأوباما قد تصرفوا بما تمليه عليهم المبادئ لحد كبير، لأنهم لو لم يتدخلوا لكان من الممكن أن تدخل بنغازي التاريخ كمدينة تعرضت لمذبحة كان بإمكان المجتمع الدولي الحيلولة دون وقوعها. والمشكلة التي يواجهونها الآن أن الفضيلة ليست هي المكافأة السياسية التي يمكن أن يتصفوا بها إذا ما مضت هذا الحرب على النحو الذي يريدونه، وبالتأكيد فإنها لن تكون كذلك إذا ما مضت تلك الحرب على النحو الذي لا يريدونه. جاري. جيه باس أستاذ السياسة والشؤون الدولية بجامعة برينستون ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس"