رغم مرور أكثر من شهرين على حركات التغيير الجديدة في الوطن العربي التي اجتاحت تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا.. إلخ، فإن دول الخليج العربية لم تبلور إلى الآن رؤية خليجية مشتركة حول كيفية التعامل مع هذه المتغيرات الجديدة. صحيح أن دول المجلس دعمت كلاً من سلطنة عمان والبحرين مالياً، ومالياً وعسكرياً في حالة البحرين، لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن دول المجلس لا تملك رؤية مشتركة حول التغيرات المختلفة في كل بلد عربي. وقد أبدى قادة الخليج قلقهم وتخوفهم من سقوط النظام المصري السابق، حيث كانت معظم العواصم الخليجية قد أعلنت دعمها لمبارك، لكن البعض الآخر منها اتخذ موقفاً متفهماً ومؤيداً للشارع المصري المُطالب بالإصلاح والديمقراطية والحرية ومحاربة الفساد. دول الاعتدال الخليجية بدأت تتخوف أكثر بعد سقوط الحكومة اللبنانية برئاسة الحريري في يناير الماضي، وسقوط النظام التونسي، ثم المصري من بعده. وقد تأثر الشباب العربي في الخليج بإخوانهم في الدول العربية، فرفع بعضهم في سلطنة عمان ومملكة البحرين شعارات تطالب بالإصلاح والتغيير، وطرحوا عدة مطالب ذات طابع اجتماعي واقتصادي وسياسي. وسارعت معظم دول الخليج العربية إلى منح عدة امتيازات مالية ووظيفية لمواطنيها، وقامت بتوزيع مساكن وإيجاد وظائف وغيرها... لكن المطالب السياسية الجديدة تم إقرار بعضها في سلطنة عمان حيث سيكون المجلس الاستشاري القادم بالانتخابات، كما أعلنت السعودية بأن الانتخابات البلدية ستجري في شهر أبريل الحالي. وحتى الآن لم تبلور دول الخليج رؤية مشتركة حول كل الأحداث الجارية في الوطن العربي، لكنها اتفقت على دعم دول التحالف الغربي في مجهودها لدعم الثورة في ليبيا، وسارعت الحكومة القطرية للاعتراف بالمجلس الوطني الليبي الانتقالي في بنغازي. وصرح وزير خارجية الكويت بأن بلاده تدعم المجلس الانتقالي وستعلن اعترافها به قريباً. كما أن بعض الدول الخليجية تشارك بقوات جوية لتقديم العون الإنساني ولتنفيذ قرار الحظر الأممي للطيران فوق ليبيا، حمايةً للشعب الليبي الأعزل من حكومة القذافي وحربه المجنونة ضد شعبه. دول الخليج بادرت لحل الخلافات بين فرقاء الصراع في اليمن، فأعلن رئيس الوزراء القطري بأن دول مجلس التعاون التي تُجري وساطة لحل الأزمة في اليمن، تأمل في التوصل الى اتفاق لتنحي الرئيس صالح ونقل السلطة إلى نائبه وتوفير ضمانات له ولعائلته، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وقد رحبت المعارضة اليمنية بالمقترح الخليجي، لكن الرئيس اليمني رفضه وهاجم رئيس الوزراء القطري. وفيما يخص مطالبات الشعب السوري بالحرية والديمقراطية، فإن دول الخليج العربية متفقة حتى الآن على دعم الأسد، رغم دعمها حكومة الحريري السابقة في لبنان والتي عارضتها دمشق. ما هي الدروس التي يمكن لدول الخليج العربية استحضارها بعد الثورات الشبابية في معظم أرجاء الوطن العربي. أول الدروس أن الأنظمة غير الديمقراطية لا تدوم إلى الأبد، وأنه لا يوجد بلد في العالم محصن ضد التغيير. وثانيها أن التغييرات التي تعصف بالوطن العربي ذات طابع داخلي أساساً ولا توجد تدخلات خارجية تؤثر فيها أو تقودها. وإن كان من الصحيح أن الشباب العربي تأثر كثيراً بثورة المعلومات عبر الإنترنت، لاسيما "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي. وهناك تخوف خليجي من تقلص النفوذ الأميركي في المنطقة، فقدرة الولايات المتحدة على تعزيز جبهة واسعة لمحاربة الإرهاب والتسلح النووي وحماية إسرائيل... بدأت تتقلص. والمطلوب من دول الخليج هو الاستمرار في الإصلاحات الداخلية اللازمة لتعزيز الديمقراطية والحرية والوحدة الوطنية. د. شملان يوسف العيسى