العالم العربي في "أزمة ماء"، وفي كل بلد مشكلة من نوع خاص! في السعودية، كتبت الأكاديمية أمل الهزاني، لا يزال الكثيرون يظنون أن الجزيرة العربية تطفو فوق أنهار من المياه الجوفية، وأننا وقتما نقرر أن نستخرج هذه المياه "ليس علينا سوى الحفر بالفاس، أو ربما بالملعقة حيث المياه الدانية". في السعودية، تضيف، لا تقف تكلفة المياه عند تحليتها، أي تخليصها من الأملاح بالتقطير، بل ثمة تكلفة أخرى في توصيلها إلى المساحة الواسعة من البلاد وداخل القرى النائية والمرتفعات. قد تعجبون حين تعرفون أن كلفة تحلية متر مكعب من المياه المالحة في السعودية نحو دولار، واستهلاك أسرة في الرياض من المياه نحو أربعين متراً مكعباً شهرياً، أي أن الفاتورة الشهرية المفترضة هي 40 دولاراً. إلا أن الأسرة في الواقع لا تدفع سوى دولار واحد فقط، أي أعلى من المجان بقليل.. وبقية التكلفة تدفعها الدولة! وزير المياه السعودي، تقول الأكاديمية، يتساءل: "كيف لبلد قاحل شحيح في موارده المائية أن يستهلك 90 في المئة من مياهه في الزراعة"؟ ويضيف الوزير المهندس عبدالعزيز الحصين إن الدولة أوقفت مشروع إنتاج القمح محلياً لأنه كان يستهلك في موسم واحد من المياه ما يعادل استهلاك مدينة الرياض اليومي عشر مرات. ووجد المسؤولون أن كلفة إنتاج كيلو من القمح محلياً يصل إلى ستة ريالات مقابل استيراده بما يقل عن الريالين. إلا أن المزارعين تحولوا إلى زراعة الأعلاف، بل وتصديرها، فكانت عبئاً أكبر على المياه لأن زراعتها على مدار العام، خلافاً للقمح الموسمي. بينما نجد دولة مثل مصر، ورغم وجود نهر بحجم النيل، امتنعت عن زراعة الأرز، لأن طبيعة زراعته تتطلب غمر الأرض بالمياه. "وكان على الحكومة أن تختار، إما أن تستمر في زراعته على حساب حصة توزيع المياه في أغراض أخرى أساسية كالشرب، وإما أن تخفف الضغط على المياه وتستغني عن زراعة هذا المحصول وتلجأ إلى استيراده". وعن مشاكل الزراعة والماء في مصر، تحدث إحدى الصحف العربية، وقال إنها لا تنحصر بنقص الماء، بل وكذلك في الاعتماد على طرق ري قديمة، ثم أضيفت لهما اليوم التغيرات المناخية، التي جعلت المصريين يعيشون حتى الآن 2011/10/28، أكثر من شهر في ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، يصحبه ارتفاع في أسعار المحاصيل الزراعية. أما المشكلة الأكبر، فهي تزايد السكان، إذ من المتوقع أن يصل تعداد السكان عام 2025، أي خلال 14 سنة فقط، إلى 122 مليون نسمة، بينما تبلغ مساحة الرقعة الزراعية في مصر 8.5 مليون فدان أي نحو 3.5 في المئة من إجمالي مساحة مصر. أما بخصوص مشكلة الماء، فإن ما يصل مصر من مياه النيل نحو 55 مليار متر مكعب سنوياً، تستهلك الزراعة 80 في المئة منها. ويقول التقرير إن قطاع الزراعة في مصر يتقدم في بعض المجالات. فقد كانت نسبة الاكتفاء الذاتي عام 1980 من القمح 25 في المئة فقط، وهي اليوم 56 في المئة. غير أن مصر لم تعد تتحمل استصلاح أراض جديدة بسبب محدودية الموارد المائية، فوقعت الحكومة المصرية مع الحكومة السودانية اتفاقاً يسمح للشركات المصرية بزراعة أراضي في السودان من دون اللجوء لتكوين شراكات محلية. غير أن الشباب في مصر يجدون صعوبات جمّة في مجال تطوير أراضيهم الزراعية. فالبنوك التجارية المصرية تتجاهل تمويل المشاريع الزراعية، نظراً لمخاطرها العالية المرتبطة بالظروف المناخية، مما يصعب التنبؤ بعائدات تلك المشروعات، وهي تعزف عن تمويل المشروعات الصغيرة أو المزارعين الأفراد وتتعامل مع الشركات الكبيرة. ففي جنوب محافظة بورسعيد عرضت الحكومة على الشباب نحو 28 ألف فدان ليقوموا باستصلاحها بغرض التملك، وتهافت كثيرون عليها ليحصلوا على بعض الأفدنة، لتكون عائلهم الأساسي في الحياة. ويقول أحد هؤلاء "تعهدت الحكومة بتزويدنا بالمياه والمرافق، إلا أن هذا لم يتحقق". ويضيف أنه يقيم في أرضه منذ خمس سنوات من دون كهرباء أو مياه للشرب، ويفكر في ترك أرضه الآن، ونقل أسرته إلى محافظة الإسماعيلية، ليجد فرص عمل في أي مجال آخر غير الزراعة. وتتابع مصر في الوقت ذاته تطورات السودان، وتتخوف من أن دولة الجنوب قد تنحاز إلى دول الاتفاق الإطاري وبخاصة أثيوبيا التي تعد أهم رافد من روافد النيل، إذ تجلس، كما يقول المختصون "على منبع النيل الأزرق الذي يرفد نهر النيل بأكثر من ثلثي مياهه وتربته الخصبة، كما أنها الدولة التي تشهد واحدة من أعلى معدلات ارتفاع السكان، بحيث سيبلغ عدد سكانها 113 مليوناً بحلول عام 2025. وتشير صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" إلى مشاكل اليمن الحالية مع الطرود المفخخة والنشاطات الإرهابية وتطاحن القبائل وغير ذلك، وتضيف "رغم كل هذه المشاكل، تبقى أزمة المياه الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل اليمن، فقد بدأت المياه تنفد بسرعة في هذا البلد، حيث يذكر الخبراء أن الماء سينفد في صنعاء بحلول عام 2020، ولا شك أن ندرة المياه ستولد صراعات جديدة وتعزز عدم الاستقرار، ومع تردي الأوضاع في اليمن، ستحاول مجموعات القاعدة ملء الفراغ الناجم". وعن مستوى توفر المياه حالياً، تضيف الصحيفة أن الدولة تؤمِّن حالياً المياه لعشرين في المئة فقط من السكان. ففي صنعاء يعتمد نحو 70 في المئة من الناس على شاحنات خاصة لنقل الماء، وقد ارتفعت كلفة الماء ثلاثة أضعاف خلال السنة الماضية، ما أرغم العائلات على إنفاق ثلث مدخولها على شراء الماء. ويؤكد معهد كارنيجي للسلام الدولي إن هذه الكارثة باتت وشيكة، مشيراً إلى أن صنعاء ستكون أول عاصمة في التاريخ الحديث تجف مواردها المائية". وتوضح بعض التقارير أن نحو 80 في المئة من الخلافات الراهنة في اليمن سببها الماء حيث تزداد الأزمة تعقيداً مع النمو السريع لعدد السكان، إذ يبلغ معدل النمو في اليمن 7 في المئة، ونتيجة لذلك تصنف صنعاء بين العواصم الأكثر نمواً من حيث عدد السكان في العالم، فقد ازداد عدد القاطنين فيها أربعة أضعاف خلال السنوات الخمسين الماضية. وفي العراق كذلك مشكلة مائية حادة تنذر بمخاطر كبيرة. وفي دراسة حديثة للأزمة المتفاقمة هناك، من منبعها التركي إلى مصبها في الخليج شمالي الكويت، عبر مسارها العراقي. وقد جاء في الدراسة أنه خلال السنين الأخيرة تم بناء العديد من السدود والبحيرات الاصطناعية في تركيا وسوريا التي تتشاطر دجلة والفرات وروافدهما الصغيرة، فكان من نتائج ذلك "حرمان هذين النهرين من عماد حياتهما، بعد أن ضمنا لعصور طويلة تدفق المياه الوفيرة لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وأعداد كبيرة من السكان". وأضافت الدراسة، أن أزمة نقص المياه الحالية "هي الأخطر منذ بدايات حضارة العراق". وتنظر بعض الدراسات إلى أهمية هضبة الجولان المحتلة من زاوية لا يكثر الحديث عنها، وهي كمية الماء التي تنحدر منها صوب بحيرة طبرية. ويقول مراسل صحيفة الشرق الأوسط من تل أبيب "نظير مجلي"، إنه حسب خبراء المياه العرب تعد الجولان "أغنى منطقة بالمياه في العالم العربي كله، وثلث المياه التي تستهلك في إسرائيل مصدره في هضبة الجولان. وفي نوفمبر الماضي 2010، دق المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، الذي عُقد في بيروت ناقوس الخطر في أكثر من اتجاه. إذ ستنخفض حصة الفرد السنوية في العالم العربي بحلول عام 2015 إلى ما يقل عن المعدل العالمي بعشر مرات. وكشف تقرير أن 70 في المئة من الأراضي القاحلة تسيطر على معظم أراضي العرب. وعلى الرغم من احتواء هذا العالم العربي على 5 في المئة من سكان العالم فإنه لا يمتلك أكثر من 1 في المئة من مصادر المياه العذبة المتجددة، وينتج أكثر من 50 في المئة من مياه البحر المحلاة في العالم، كما كشف التقرير عن وقوع 13 دولة عربية من بين 19 دولة تحت وطأة الفقر المائي في العالم. إن بعض هذه التواريخ ليست بعيدة، وستحل علينا قريباً، وسيجتمع على العالم العربي الفقر والبطالة والأمية والاستبداد.. والعطش، أي كما يقول التعبير الشعبي "كملت"!