تحرّك السجناء في "رومية " وانتفاضهم في وجه دولتهم، وتحرك أهلهم في الشوارع في عدد من المناطق اللبنانية للمطالبة بالإفراج عنهم وإصدار قانون عفو بهذا الخصوص. وتظاهرت منظمات شبابية لبنانية في شوارع العاصمة وبعض المناطق الأخرى أيضاً، للمطالبة بإسقاط الطائفية وتحقيق العدالة بين الناس، تحركات متزامنة، قدمت فكرة عن لبنان السجين ولبنان السجون، وعن القادة السياسيين السجناء والسجّانين في آنٍ معاً! نعم هذا هو الواقع. في السجون، من رومية إلى جب جنين، إلى طرابلس، انتفاضات متكررة. آلاف السجناء دون محاكمة. السبب المعلن: لا وجود لقاعات تستوعب هذا العدد الكبير لمحاكمتهم! وبالتالي يبقى الناس في السجن مكدّسين فوق بعضهم، ويفتقدون الحد الأدنى من الحقوق في حفظ أمنهم وكرامتهم وصحتهم لسبب غير مقنع. وفوق ذلك، تواطؤ بين هؤلاء والمكلفين بمراقبتهم. فالمتهم بتعاطي أو بترويج المخدرات في السجن، يتعاطى المخدرات في داخله ويروجها في داخله ومن داخله إلى الخارج. يملك هاتفاً خلوياً، يتصل بمن يشاء، يحرك من وما يشاء، حتى أنه عندما حصلت التحركات والانتفاضات تحول بعض هؤلاء إلى نجوم إعلاميين ومراسلين لمؤسسات إعلامية تلفزيونية في الداخل، إذ أنهم كانوا يعطون معلومات تفصيلية عن سير التحركات وتفاصيلها! كيف حصل ذلك؟ من المسؤول عن ذلك؟ لا أحد يعرف. لا. لا يستقيم عدل، ولا تستقيم مؤسسات. ولا يتركز نظام في ظل مثل هذه الحالة، فلا تتفتق عبقرية القادة إلا بالدعوة إلى عفو، ويذهب كثيرون إلى التحضير لمشروع قانون عفو، ويصبح المشروع أمراً واقعاً لأنه مطلب الناس الذين قطعوا الطرقات وأحرقوا الإطارات المطاطية وقاموا بأعمال شغب في الخارج. هكذا يصبح كل المتهمين أبرياء ويصبح رجل الأمن المتواطىء مثالاً... فكيف تستقيم الحياة؟ لا حياة لدولة وإدارة ومؤسسة ومجتمع وعائلة لا يتكرس فيها مبدأ المساءلة والمحاسبة. عندما يسقط هذا المبدأ وتسقط كل القيم. تسقط المجتمعات. ويبدو أننا ذاهبون في هذا الطريق وللأسف. للسجناء حقوق. وليس مبرراً القول إن ليس لدينا قاعات كافية. السجناء هم من فئات وطوائف مختلفة. في لحظة معينة أعطي تحركهم طابعاً فئوياً ومذهبياً أو سياسياً من خلال انتماء أو خلفيات بعضهم. لكن تبين أن كل السجناء تقريباً شاركوا لاحقاً في التحرك وكل الأهل أرادوا الاستفادة من الفرصة "لتحرير" أبنائهم. ولذلك، نكرر ما كنا نطالب به منذ سنوات، إعطاء الأولوية السريعة الفورية لمسألة بناء سجون جديدة حديثة. ويتوفر المال لذلك من جهات ودول وجمعيات وهيئات ومنظمات عديدة إذا توفرت الإرادة لدى الدولة. ويتوفر المال من الدولة أيضاً إذا أحسنت الإدارة هي من خلال مسؤوليها. المال على أهميته ليس عقبة أمام أمر طارىء وضروري وملح. ثانياً، وفي انتظار الوصول إلى ذلك يمكن تخصيص مكان ما بشكل مؤقت، يجهز بشكل معقول، ويحدد عدد من القضاة المختصين يتفرغون لمحاكمة السجناء خلال فترة محددة. فيبرئ بالقانون من هو بريء ويعطى حقوقه، ويحاكم من هو مرتكب وننتهي من هذه القصة المزمنة ونكون نحترم العدل والقانون ومبدأ المساءلة والمحاسبة وتثبيت معيار واحد في التعاطي مع الناس. لا سيما وأنه تبين أن المشروع الذي أقرته لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب والقاضي بتحديد السنة السجنية بتسعة أشهر لا يفيد إلا 3 في المئة من السجناء فماذا نفعل بالآخرين؟ وفي الوقت ذاته يجب أن يحاسب المسؤولون الأمنيون المقصرون والمتواطئون. من يأخذ القرار؟ الحكومة. الحكومة غير موجودة. بسبب الخلاف السياسي وإذا وجدت فثمة أسباب معيقة ومعيبة أخرى. لأن الحكومات السابقة كانت موجودة ولم تفعل شيئاً. لماذا، لأن معظم القادة السياسيين وللأسف هم سجناء أيضاً وسجّانون في آنٍ معاً، وهذا ما يستنتجه الجميع من خلال المظاهرات الداعية إلى إلغاء الطائفية. الكل يستنفر لإلغاء الطائفية كلامياً وقلة تبادر وتلتزم. الكل وافق على تخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة وقلة بادرت والتزمت ولم يرَ المشروع النور. الكل يتحدث عن حق المرأة وضرورة مساواتها بالرجل وضرورة تحديد كوتا لها في مجلس النواب، ولا شيء يتحقق. ومن ينتج النواب؟؟ ستة أو سبعة رموز في البلد هم الذين يحددون النواب عموماً. من منعهم من ترشيح نساء؟ لا أحد. الزواج المدني مسموح في قبرص. يذهب اللبنانيون إلى هناك ويعودون إلى لبنان يسجلون زواجهم المدني هنا ويأخذ طريقه القانوني. لكن ممنوع إجراؤه في لبنان. هذه من بدع النظام اللبناني وليس من إبداعاته أو إبداعات قادته! الشباب يتحركون. يهتفون ضد النظام الطائفي. إذا شاركهم فريق شبابي آخر طردوه. رفضوه، لأن زعيمه أو حزبه أو حركته يشكلون أساس هذا النظام. والقوى التي ينتمي إليها هذا الشباب هي بشكل أو بآخر وفي مرحلة وأخرى حليفة هذا أو ذاك من الزعماء أو الأحزاب. ليس ثمة معيار. الناس أسرى هذا النظام. سجناء هذه الحالة. والقادة أسرى علاقتهم بالناس القائمة على المصلحة المتبادلة والتزامات التأييد بالعصبية وهتاف "بالروح بالدم نفديك يا..." مقابل خدمات أو مواقف تحرك المشاعر والعواطف... وكذلك معظم القادة سجناء عقولهم ومصالحهم في الدولة. في الإدارة وفي المؤسسات، تكاد تكون الدولة مسرحاً يلعب عليه السياسي دور السجين والسجّان في آن معاً والكل مقتنع بأنها دولة الحرية والديمقراطية الوحيدة في هذا الشرق، وأن تحرك الشباب العربي إنما بدأ يقتبس التجربة اللبنانية. أما الحقيقة فهي أن عادات وأساليب معظم القادة، وقواعد الحياة السياسية والإدارية عندنا بدأت تميل إلى اعتماد ما هو قائم في العالم العربي ونراه يتلاشى. صعبة هي معركة التغيير في لبنان. لكنها بالتأكيد ليست مستحيلة. والتغيير يجب أن يبدأ من الذات والحقد لا يغيّر ما في النفوس إلا نحو الأسوأ. هذه سمة المرحلة اليوم. آمل ألا تطول...