من يدرس بعمق ظاهرة ثورة الشباب العربي اليوم في الدول العربية التي سقطت فيها زعامات تاريخية جثمت على صدور شعوبها لعقود من الزمن والثورات القائمة في دول عربية أخرى، يجد توافقاً في المشهد من قبل الحكومات التي سقطت وتلك الأخرى الصامدة، ويجد كذلك اشتراكاً في المطالب التي ينادي بها الشباب الثائر. الحكومات التي سقطت والأخرى التي في طريقها للزوال، استخدمت عبارة الأجندة الخارجية التي حركت حسب زعمهم الشباب المغرر بهم كي يثوروا على حكوماتهم وبعضهم نسب هذه الحركات الى أعداء الأمة العربية التاريخيين الذين تحولوا إلى مبرر لكل حاكم فاشل، فكل فشل مرده مؤامرة خارجية تحاك بالدول العربية. وبعض هذه الحكومات حذر من "القاعدة" ودورها الحالي في الأحداث ونفسها المستقبلي في الصراع، آخرون تكلموا عن حروب أهلية ستقع فور سقوط نظامهم لأنهم العاصم من القواصم، وأضعف حجة استخدمت في تصوري كانت الاختلافات الطائفية التي ستبرز على السطح. وتبين للمتابع الذكي أن كل ما سبق التصريح به والتلميح من وقوعه، لم يتحقق على الأقل في الدول العربية التي تحررت من الظلم والاستبداد، بل وجدنا لحُمة داخلية وقفت أمام الطائفية والحروب الأهلية، ورأينا عدلاً يمارس في حق المال العام على الأقل، والذي نهب لعقود من الزمن، وشاهدنا أهم من ذلك كله روحاً إيجابية تهب على تلك الدول، رياح لو أُحسن التعاطي معها، فإن دولة مثل مصر تستحق أن تحلق مرة أخرى في عالم الإنجازات والقيادات. فكرة الأجندة الخارجية التي تحرك الشعوب ضد حكوماتها ينبغي أن نقف أمامها بكل حذر، لأنها لا تمثل إلا تهويلاً من مستقبل أفضل من الواقع. الدرس الأهم في الأحداث، والذي ينبغي أن تتعلمه كل الدول العربية يتلخص في الأجندة الداخلية، فبعد عقود من الضياع والتخبط في التخطيط وتغليب المصلحة الخاصة على مصلحة الوطن، ينبغي على الدول العربية أن تنتبه إلى أهمية وجود أجندة واضحة ومعلنة للتنمية الوطنية. تلك الأجندة ينبغي أن تحقق مطالب جيل الشباب الأكثر وعياً بحقوقهم والأفضل علماً وتدريباً، وهو كذلك الأعلى شأناً في سقف المطالبات. فإن كان جيل الآباء ارتضى بالحد الأدنى من مستويات الحياة والخدمات المقدمة فيها من قبل الحكومات، فإن جيل الأبناء بالصفات التي ذكرت أصبح عندهم من الوعي ما يرفعون به سقف التوقعات والطموحات إلى المعايير العالمية التي تتناسب بلا شك مع البيئة الوطنية. من يتأمل في الدول العربية التي شهدت ثورات في الفترة الحالية يجد أن أول مطلب رفع كان الحرية، وهي كلمة تتناسب مع كل القيم السماوية والأرضية، فأمة لا يعرف شعبها الحرية تستحق أن تستعبد من قبل الآخرين، وإنْ كانت الحرية كلمة من ذهب فإن سوء استخدامها وعدم تنظيمها يقود إلى قمة الفوضى والشغب ومن ثم عدم الاستقرار والتخلف، وقد شهدنا أمماً طالبت بالحرية فانتهت إلى حروب أهلية، ومن هنا وجب على الحكومات العربية في الفترة القادمة أن تتحدث بكل شفافية مع شعوبها وبالذات الشباب منهم لوضع ضوابط للحرية كي نقطف ثمارها مزيداً من التنمية.