يحرم القانون الدولي استخدام أسلحة الدمار الشامل، لكن الدول التي تمتلك أسلحة نووية لا تقبل ذلك التجريم لأنه في نظرها يلغي سياسة الردع النووي. وبذلك تواجه البشرية مشكلة أساسية، فالدول ذات السيادة لا تعترف- في الممارسة العملية- بأية سلطة فوقية، ولا بأي مانع خارجي على حرية القيام بأي تصرف يعد ضرورياً لحماية مصالحها بما في ذلك القيام بالتدمير الشامل لدول أخرى. ولا ريب في أن تحولات السيادة والاستقلال الوطني التاريخية تسهم في تطوير المجتمعات ومؤسساتها السياسية، لكن عندما يتم ربطها بمبدأ الردع النووي وشرعية ممارسته تصبح غير ذات مصداقية. وأيضاً عندما يتعلق الأمر بالمحافظة على التسلح النووي واستخدامه ضد عدو خارجي يصبح من الضروري الحد من حرية الشعوب وذلك في صالح الأمن الوطني. لذلك، فإن الردع النووي ليس بوهم كاذب فقط بالنسبة لأية سياسة دفاعية، لكنه يرقى الى أن يكون مرضاً أخلاقياً متفشياً في المجتمع الدولي. وهنا يبرز أمامنا سؤال حول العلاج الشافي لهذا المرض. وبالتأكيد أن العلاج ليس هو تطوير أسلحة أكثر فتكاً، فتطوير الأسلحة الفتاكة ليس هو الحل، فتطوير هذا النوع من الأسلحة ليس لحماية البشر، لكنه لحماية الأسلحة الفتاكة ذاتها من التدمير في ما يمكن تسميته شيطاناً جديداً يزيد من مآسي البشرية وخوفها من الأسلحة النووية، فتطوير الأسلحة الجديدة بالإضافة الى ما هو موجود فعلاً سيجعل من العلاقات الدولية أكثر تعقيداً وخللاً عوضاً عن أن يؤدي بها الى الاستقرار. وعليه فإن الحل لا يكمن في انتشار الأسلحة النووية لدى من لا يملكها ولا في زيادة ترساناتها لدى من يملكها، إنما يكمن في نزعها والتخلص النهائي منها. إن انتشار الأسلحة النووية لكي تصبح في يد الجميع أمر مروع، فنحن الآن في مواجهة تركيز غير مسبوق للسلطة في يد أنظمة سياسية تحيط أنفسها بمصالح قوية وراسخة وتحكمها نخب ربما لا تستطيع السيطرة بكفاءة على سلطة اتخاذ القرار الخاص باستخدام الأسلحة النووية. ومن غير الواضح كيف يمكن إجبار دول العالم التي تمتلك أسلحة نووية على التقليل من حجم ترساناتها، ومنع الدول التي لا تمتلك من المضي قدماً في تجاربها لامتلاكها، لكن من الواضح أن محبي السلام حول العالم تقع على عاتقهم مسؤولية حتمية للعب دور في عملية البدء للمناداة بالقضاء على انتشار الأسلحة النووية. لقد بدأت تلك الحركة بالفعل في أوساط مواطني دول أوروبا، وأتت جهودهم بنتائج إيجابية حتى الآن، ومنذ عام 1979 تمكنت حركة السلام في أوروبا من كسر الإجماع الذي كان سائداً بين المعسكرين المتنافسين في تلك المرحلة على تأييد الردع النووي، وهي التي رفضت القبول بنشر الأسلحة النووية في القارة الأوروبية. وقد اتضحت أهمية حركة السلام العالمي في التأثير على متخذي القرار بشأن الأسلحة النووية من اعتراف العديد من حكومات الغرب بقوة حركة السلام. إن ذلك هو الذي أدى الى إعطاء أهمية لعمليات التفاوض التي تعقد حول خفض الأسلحة النووية في العالم في سبيل التخلص منها. ورغم أن دول المنطقة العربية وجوارها الجغرافي لا تمتلك أسلحة نووية، باستثناء إسرائيل، فإن وجود حركة سلام فيها تدعو الى نبذ الأسلحة النووية يبدو أمراً ضرورياً، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى السلام أكثر من أي شيء آخر.