ما أعلنته وزارة الشؤون الاجتماعيّة، مؤخراً، عن استحداث برنامج لتشغيل الأحداث، وآخر لإعادتهم إلى المدارس، يعدّ توجّهاً مجتمعياً مهماً يصب في إطار دمج هذه الفئة، وإعادة تأهيلها لكي تنخرط بشكل إيجابيّ في البناء المجتمعي. لا شك أن وجود مثل هذه البرامج، وإشراف الوزارة عليها، ينطويان على مردودات إيجابية عدّة تساعد على حماية هؤلاء الأحداث، واستغلال أوقات فراغهم الاستغلال الأمثل، والتصدّي للظواهر السلبية التي تقف وراء انحراف بعضهم، وإقدامهم على ممارسة الجرائم التي تهدّد أمن المجتمع واستقراره. إن العمل على تأهيل الأحداث ودمجهم خطوة مجتمعية وتربوية مهمّة تستند إلى جملة من الاعتبارات المهمة، أولها أن هذه المرحلة العمرية تتطلّب توجيهات اجتماعية ونفسية متواصلة، من أجل إعادة تنشئتهم بصورة سليمة، يتم خلالها التخلّص من الأفكار المغلوطة والهدّامة التي اكتسبوها، وأثرت في سلوكياتهم وطريقة تعاملهم مع أفراد المجتمع، وهذا الجانب ينبغي أن يكون في مقدمة أهداف البرامج التي أعلنتها الوزارة مؤخّراً. ثانيها أن جنوح الأحداث أصبح يشكّل ظاهرة خطرة تمثل تهديداً متنامياً لأمن المجتمع واستقراره وخططه التنموية وبنائه الأسري، خاصّة مع انتشار السلوكيات السلبية وتناميها التي يرتكبها هؤلاء الأحداث في الآونة الأخيرة، كالسرقة أو استخدام العنف في تسوية أيّ خلافات قد تنشب في ما بينهم، أو ضد أفراد المجتمع الآخرين، وهي جرائم دخيلة تقدّم صورة مغلوطة ومشوهة عن المجتمع الإماراتي، وما يتمتع به من تماسك وترابط. ثالثها أن انحراف الأحداث وجنوحهم يعنيان فقد جانب مهمّ من القوى البشرية التي يمكن أن تسهم في تحقيق أهداف المجتمع، لذا فإن التصدّي للأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، والتعامل معها بشكل مجتمعي سليم، من شأنهما الحيلولة دون تحول هؤلاء إلى عناصر هدم، بل على العكس من ذلك فإنهما يساعدان على توجيههم ليكونوا قوة بنّاءة تشارك في خدمة المجتمع وتطوره. رابعها تداخل العديد من العوامل التي تقف وراء مشكلات الأحداث، كالتفكّك الأسريّ الناتج عن الطلاق، أو المشكلات الاجتماعية التي تعتري الأسرة بسبب التغيرات المجتمعيّة الناجمة عن الاختلاط بالعمالة الوافدة، وبما تحمله في بعض الأحيان من قيمٍ سلبيّة مغايرة لنمط القيم والمعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع تترك تأثيرها السلبي على النشء والأحداث. لقد أكّدت مريم الرومي، وزيرة الشؤون الاجتماعية، حقيقة مهمّة لدى استعراضها برامج الوزارة الخاصة برعاية الأحداث، وهي "أن أيّ نجاح لحماية النشء والأحداث رهن بالأسرة واهتمامها بأبنائها ومتابعتهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة"، وهذا أمر مهمّ، لأنه يؤكد منهج الرعاية الشاملة للأحداث، والأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة بهم، والتعامل معها بشكل إيجابي، لكن العمل على دمج الأحداث وتأهيلهم ليقوموا بدورهم البنّاء في خدمة المجتمع، ينبغي أن يكون مسؤولية مختلف الجهات المعنيّة، صحيح أن الأسرة يقع عليها الجانب الأهم في الرقابة على أبنائها، ورصد أيّ تغييرات قد تطرأ على سلوكياتهم، والعمل على ضبطها كي لا تتحول إلى سلوكيات سلبية، لكن هناك أدوراً أخرى لا تقلّ أهمية تقع على عاتق مؤسسات التنشئة الأخرى، كالمدرسة التي تعنى بالدور التربويّ في تنشئة النشء وتوجيههم نحو الطريق السليم، ومؤسسات المجتمع المدني وما يمكن أن تقدّمه من برامج للرعاية تسهم في تهيئة الظروف الملائمة أمام الأحداث للاندماج في المجتمع. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.