يُحكى أن رجلاً كان يُجلد وهو مربوط إلى عمود، فالتفت إلى جلاده ورجاه أن يفكّ وثاقه ويربطه بالعمود المجاور، فتوقف الجلاد عن الضرب، وتساءل وهو يضحك: وما الفرق؟ فقال الرجل: ما بين العموديَن يأتي الفرج. ومن عادة بعض الناس، وفيهم كُتّاب ومثقفون، أن يتساءلوا في اليوم التالي لأي تغيير في أنظمة الحكم الفاشلة: وهل ستكون حياة الناس أفضل بعد هذا التغيير؟ وهل سيتمكن النظام الجديد من حل هذه المشكلة وتلك؟ كما فعلوا حين سقط نظام صدام، وحين تنحّى حسني، ويقولون مثل ذلك أمام إصرار اليمنيين على رحيل صالح. بالطبع، يهز أصحاب هذا المنطق رؤوسهم الآن وهم يقولون: ألم نقل لكم إن الأوضاع في عراق ما بعد صدام لن تتغير إلا إلى الأسوأ؟ فقد مرّت سبع سنوات عجاف على ما يُسمى "العراق الجديد"، ولم نسمع خبراً مفرحاً واحداً. ألا ترون ما يحدث في مصر بعد مبارك؟ أصبحت أيامهم مظاهرات واعتصامات واستطاعوا بالكلام وبـ"الفيسبوك" بناء مصر جديدة لكن على الأرض بقيت مشكلات مصر كما هي. وهل يمكن لأي رئيس يمني قادم أن يضبط إيقاع القوى السياسية والدينية التي اتفقت كلمتها الآن على رحيل صالح، وفي اليوم التالي لرحيله سيدخلون في صراع على تقاسم كعكة الحكم؟ أصحاب هذا المنطق لا يتفضّلون بإبداء وجهة نظرهم لطريق الخلاص من حالة الجمود التي سيطرت على المشهد العراقي أيام صدام، وفي مصر مبارك، وفي يمن صالح، وما هو العمل مع العُقدة التي لم تفلح كل محاولات فكّها، فكانت السكين هي الحل الوحيد لقطع حبل الحكم السابق والبدء بعهد جديد. أصحاب هذا المنطق لا يتكرّمون بالإجابة عن هذه الأسئلة: وماذا لو لم تُسقط الولايات المتحدة صدام؟ هل كان الأخير سيوافق على نقل السلطة طواعية إلى رئيس ينتخبه الشعب بإرادتهم الحرة؟ وفي حال بقي صدام ثم توفاه الله بصورة طبيعية، ألم يكن عدي صدام هو الآن رئيس العراق؟ وبعد عدي، ألن يكون ابنه هو الرئيس، وهكذا إلى ما لا نهاية؟ وماذا عن مصر، ومن الذي سيحكمها لو لم تحدث ثورة؟ وهل كان الوريث سيقبل بالدخول في منافسة حقيقية مع مرشحين آخرين؟ وهل كان سيغيّر الوريث آليات الحكم وطريقة عمل النظام أم كان سيعمل منذ اليوم الأول ليورّث ابنه، أي حفيد مبارك، الحكم من بعده، وهكذا إلى ما لا نهاية؟ والتساؤل نفسه بشأن الوضع في اليمن. ومن ينتظر نتائج إيجابية بعد شهر من تغيير النظام هو مجرد مكابر، كما في الحالة المصرية، ولا يختلف عنه من ينتظر نتائج إيجابية بعد سبع سنوات من تغيير النظام بعد عقود من الاستبداد والقمع وحكم الحزب الواحد. وفي أسوأ الأحوال، وحتى لو لم تكن هناك أية نتائج إيجابية لهذا التغيير، وهذا غير صحيح عموماً، فإنه يكفي أن الشعب تنفّس قليلاً، وجاءه الفرج ما بين سقوط نظام وظهور نظام آخر لا يقل سوءاً عن الأول، على افتراض ذلك. وأذهب إلى أبعد من ذلك وأقول إنه حتى لو لم يتنفّس الشعب الحرية دقيقة واحدة ما بين نظام ونظام آخر، فإنه يكفي أن يكون هناك تداولاً للأيام بين الناس، ويتبادل الظالم والمظلوم الأدوار فيما بينهما.