في مقابلة أجريت مؤخراً مع مجلة "نيوزويك"، تحدث "جون ريزو"، المحامي السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بصراحة مدهشة عن "برنامج القتل المستهدف" التابع للوكالة. في هذه المقابلة ناقش "ريزو" نطاق هذا البرنامج، وإلزامية وجود قائمة بأسماء 30 شخصاً مستهدفين بالقتل في أي وقت، والأسلوب الذي تختار "سي. آي. آيه" أهدافها بموجبه، وطريقتها في تصفيتهم. كما أدلى "ريزو" بتفاصيل حول برنامج محاربة الإرهاب المثير للجدل الذي تتبناه الوكالة والذي كان مغلفاً من قبل في غلاف كثيف من السرية. الشيء اللافت للنظر في تلك المقابلة لا يكمن في كمية المعلومات التي كشفها "ريزو" ونوعيتها، بل في أن "ريزو" شخصياً هو من كشف عنها. فالرجل حتى تاريخ تقاعده من العمل في الوكالة في ديسمبر 2009، كان يشغل منصب نائب المستشار العام للوكالة وكبير محامييها. وخلال الفترة التي شغل فيها هذا المنصب سعت الوكالة إلى إلغاء قضية ضد قانون حرية المعلومات بحجة أن الأمن القومي سوف يتعرض لضرر لا يمكن إصلاحه إذا ما تطوعت الإدارة بالإدلاء بأي معلومات أوتفاصيل عن برنامج القتل المستهدف، أوحتى مجرد الإقرار بوجوده. والحقيقة أن كشف "ريزو " عن المعلومات المتعلقة بهذا البرنامج قد تأخر كثيراً. وإذا ما سلمنا بأنه من حق الجمهور الأميركي معرفة أن اغتيال الأشخاص المشتبه بتورطهم في الإرهاب، هو في حقيقة الأمر سياسة أميركية رسمية، فإن الكشف عن المعلومات التي يفترض أنها حساسة، بات يمثل نهجاً انتهازياً يتبعه بعض كبار مسؤولي الحكومة الأميركية بعد التقاعد من مناصبهم. فكثيراً ما رأينا حالات لمسؤولين أميركيين رسميين يصرون بعناد أثناء وجودهم في الخدمة أن معلومات معينة لا يجوز الكشف عنها لأنها تضر بالأمن القومي الأميركي، وحين يتقاعدوا من الخدمة بعد سنوات طالت أوقصرت نراهم لا يترددون في الكشف عن تلك المعلومات؛ مرة لأسباب سياسية ومرة أخرى لأسباب شخصية أو انتهازية بحتة، لكن الكشف في الحالتين لا يكون له علاقة بحقيقة أن الجمهور يريد معرفة معلومات معينة عن شيء ما، فذلك آخر ما يفكر فيه مثل هؤلاء المسؤولين. وحالة ريزو ليست الأولى بل في حالات كثيرة سابقة أصرت الحكومة أو مسؤولون معينون فيها على سرية شيء ثم قامت بالكشف عن تفاصيله فيما بعد، غير عابئة بالآثار فيما يخص "قانون الوطني"، وقد حدث ذلك بشأن وجود سجون سرية في الدول الأخرى تأوي المشتبه في علاقاتهم بالإرهاب، وحدث ذلك أيضاً بشأن برنامج التسليم غير القانوني للأفراد لدول اشتهرت بممارسة التعذيب، وفيما يتعلق بالأساليب غير المشروعة التي يتبعها المحققون الأميركيون مثل أسلوب الإيهام بالغرق. وإذا ما كان اللوم يتوجه لهؤلاء المسؤولين، مثل ريزو، الذين يتبعون نهجاً انتهازياً في الكشف عن المعلومات التي يعرفونها لتحقيق مآرب شخصية أو سياسية، فإننا لا نعفي القضاء الأميركي من ذلك لأن الدستور وقانون حرية المعلومات يمنحان المحاكم الأميركية صلاحيات لتحديد ما إذا كانت معلومات معينة تعتبر سرية أم لا، لكنها لم تعتبر مسؤولاً سابقاً مذنباً عند كشفه عن معلومات سرية كان قد رفض أثناء وجوده في الخدمة الإدلاء بأي تفاصيل عنها. جميل جعفر نائب المدير القانوني لاتحاد الحريات الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونال"