نتائج التقرير العلمي الذي أعدّته شركة "ماكينزي العالمية" ونشرته صحف محلية، مؤخراً، حول مستويات الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة على مستوى الدولة، تثير التساؤلات حول أسباب تراجع مستوى الطلاب برغم الجهود التي تبذلها الدولة للارتقاء بالمنظومة التعليمية، فقد أشار التقرير إلى أن مستويات الطلبة تتراوح ما بين المقبول والضعيف بصورة عامة، وذلك مقارنة بالنسب العالمية، إلا أن هُناك حالات قليلة يبدو فيها التقويم عند مستوى جيد أو ممتاز. الواقع أن هذا التراجع هو نتاج مجموعة متداخلة من العوامل، بعضها يرجع إلى طبيعة المناهج التي يتم تدريسها في كثير من مدارسنا، والتي تعتمد على التلقين والحفظ والتفريغ الذي يخلق الإحباط عند الطلاب، بدلاً من الاستيعاب وتنمية المهارات لديهم، وبعضها الآخر يرجع إلى نقص الخبرات والمهارات لدى كثير من معلمي المدارس، والخاصة منها تحديداً، التي تلجأ في أغلب الأحيان إلى الاستعانة بمعلمين غير مؤهلين، ويفتقرون إلى الحد الأدنى من التأهيل اللازم للقيام بمهمّة التدريس، وهناك أسباب أخرى تتعلّق بغياب المعايير الموضوعية في اختبارات التقويم المطبّقة على الطلاب في الكثير من مدارسنا، وهذا يمكن تلمّسه بوضوح لدى المقارنة بين درجات التقويم التي يحصل عليها الطلاب ودرجات الامتحانات النهائية، حيث تصل نسبة درجات التقويم للطلبة في بعض المدارس إلى 90 في المئة، في حين أن نسبة درجة الامتحانات النهائية لا تتجاوز 10في المئة، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن اختبارات التقويم تتحكّم فيها إدارات المدارس، ما يجعلها تقدّم صورة غير حقيقية عن مستويات الطلاب. هذا التراجع في مستويات الطلاب يفسّر إلى حدّ كبير لماذا تعجز النسبة الكبرى من الطلاب عن الالتحاق بالتعليم العالي دون الانضمام أولاً إلى البرنامج التأسيسي الذي يستهدف تحسين قدراتهم في بعض العلوم الرئيسية لمدة عام، كما يفسّر أيضاً عدم قدرة بعض الطلاب على الاستمرار في التعليم الجامعي، لأن ما تعلموه خلال مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي لا يؤدّي إلى مخرجات تتوافق مع المواصفات التي تتطلبها مدخلات التعليم الجامعي، الأمر الذي يوجِد صعوبات جمّة لدى الأبناء في تحصيلهم الأكاديمي في الجامعات. من المهم التعامل مع المشكلات التي تقف وراء تراجع مستوى الطلاب، وتقديم الحلول المناسبة لها، وهذا ما يدركه القائمون على النظام التعليمي في الدولة، فوزارة التربية والتعليم شرعت في العامين الماضيين في اتخاذ خطوات جادة تستهدف الارتقاء بمستوى الطلاب وتأهيلهم للدخول إلى التعليم الجامعي سواء من خلال تطوير مضمون المناهج أو في اتباع أفضل المعايير العالمية في تقويم الطلاب، حتى تنمّي لديهم مهارات الإبداع والابتكار والتخيّل، ويصبحوا مؤهلين أكاديمياً بالشكل المنشود ولديهم المهارات الكافية لدخول مرحلة التعليم الجامعي من دون الحاجة إلى تأهيل إضافي مسبق. لقد وضعت "الوثيقة الوطنية للإمارات 2021" هدف الارتقاء بالتعليم وتطويره في مقدّمة أهدافها، من خلال توفير تعليم متميّز يعمل على تنمية ثقافة التفكير الناقد والإبداعي لدى الطلاب ودعم مهاراتهم وصقل شخصيتهم وإعدادهم لمستقبل أفضل، من خلال الارتقاء بالمناهج ونظم التقويم بحيث تذهب أبعد من تزويد الطلاب بالمعرفة وتتجاوز التلقين إلى التفكير النقدي والقدرات العملية، حتى يتزوّدون بالمهارات والمعارف الأساسية التي يتطلّبها العصر، من أجل تعزيز قدرتهم التنافسية في التعليم، بشكل يضعهم على قدم المساواة مع الطلبة في الدول المتقدّمة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية