حسب تفسير هوبز لنظرية العقد الاجتماعي، فإن الأفراد في المجتمع قد اتفقوا أن يتنازلوا عن بعض حقوقهم مقابل أن يوفر لهم الحاكم حياة الأمن والاستقرار. لذلك، وكون الحاكم ليس طرفاً في "العقد" فإنه لا يقع عليه أي التزام إذ توافق الجميع على ذلك. ويرى البعض أن الظروف السياسية التي أدت إلى اضطرابات في انجلترا وفرنسا كان لها تأثير كبير على فكر هوبز وتأييده الحكم المطلق. ثم جاءت الثورة لتقضي على الملكية في انجلترا ولتحارب الحكم المطلق، فتم إنشاء البرلمان، حيث كان جون لوك منظراً لثورة 1688 ومروجاً لفكرة العقد الذي يضم الحاكم والأفراد، ولكل طرف حقوق وعليه واجبات. وأرسى لوك نظرية حق الإنسان في الحياة الكريمة والمساواة والحرية. وفي رأيه أن ذلك شرط للاستقرار السياسي والتنمية والتقدم. وفي فرنسا تأثر مونتسكيو بأفكار لوك وقال إن أنجع نظام لفرنسا هو النظام الملكي، الذي يخضع فيه الملك لرقابة برلمان يمثل الشعب، ويقوم على الفصل بين السلطات. وما زاد في قوة رؤية الفيلسوف لوك أن عمم الفكرة على كل شعوب العالم، ودافع عن حرية الرأي والتعبير والفكر والمعتقد... وهذا ما حدا به إلى اعتبار الإنسان "قيمة" مهما كان جنسه أو لونه أو دينه. وتأثر الفلاسفة الغربيون المتعاقبون، مثل روسو وفولتير وكانط، بالنموذج الفرنسي في مجال حقوق الإنسان، حيث تتعايش حرية الفرد مع حرية الجماعة. ووردت عبارة حقوق الإنسان في نص "عصبة الأمم"، لكنها كانت غير شاملة، إذ استثنت تقريباً شعوب البلدان التي كانت واقعة تحت "حماية" الدول الأوروبية. وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الجهود الحثيثة لإقامة الأمم المتحدة، وكان موضوع "حقوق الإنسان" من الأولويات التي رعتها المنظمة الدولية الوليدة؛ بحيث غدا موضوعاً شاملاً لكل شعوب الأرض ودون تفرقة بين الرجال والنساء. وأنشأت الأمم المتحدة أجهزة رقابية تتحقق من تطبيق مبادئ حقوق الإنسان كما تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. ويتكون ذلك الإعلان من 30 مادة تناولت المسائل المتعلقة بحياة الإنسان وحقه سواء من الجانب الذاتي (حرية المعتقد، والفكر، والتعبير) أو من ناحية النطاق الذي يعيش فيه: الحرية، السلامة الشخصية، عدم التعذيب أو الإهانة، عدم المعاملة الوحشية، المساواة أمام القانون، الحماية القانونية، استقلال القضاء، عدم الحجز التعسفي، الحماية الشخصية، وعدم التدخل في معاملات الفرد أو مراسلاته أو سكنه، أو تعرضه لحملات مغرضة تؤثر على سمعته وشرفه، وحرية التنقل واختيار مكان الإقامة، حق الجنسية، والتي لا يجوز حرمانه منها أو سحبها، أو إنكار حقه في تغييرها، وحق إبرام عقد الزواج، وحق الأسرة في الحماية، وحق التملك وإنشاء الشركات، وعدم جواز تجريد الفرد من ممتلكاته، وضمان حرية الرأي والتعبير، وحقه في الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية، والمشاركة في إدارة الشؤون العامة مباشرة أو عبر ممثلين، وحق الحصول على الوظيفة المناسبة، والتأكيد على أن إرادة الشعب هي مصدر السلطة، وحق التقاضي، وحق الأجر المتساوي مع الآخرين الذين يقومون بذات العمل، وحق الانضمام للنقابات وإنشائها، وحق الأمومة للمرأة، وحق التعليم والاشتراك في الحياة الثقافية للمجتمع والمساهمة في التقدم العلمي. ولو تتبعنا تطور الأحداث الأخيرة في بعض البلاد العربية لوجدنا أن أغلبها جاء نتيجة إهمال الدول العربية هذه الحقوق الأساسية لمواطنيها. ففي تلك البلدان نجد أن الحزب الواحد (الحاكم) هو الذي يبقى "ممثلاً للشعب" مدى حياة الرئيس، والذي هو رئيس الحزب، كما نجد أن العدالة غير متاحة لجميع أفراد الشعب، وأن فئة أو جماعة محددة قريبة من الرئيس أو الحزب تستأثر بمقدرات البلاد. كما نجد أن السلامة الشخصية غير متوفرة، وأن التعذيب والاعتقال والسجن طالت العديد من المطالبين بالعدالة والحرية. وتم الزج بالكثيرين في السجون دون محاكمات. كما ظلت المحاكم آلة بأيدي السلطة، تصرفها كما تشاء ووقت ما تشاء! ولا مانع لدى السلطة في تفتيش بيوت المواطنين وفتح بريدهم، والاعتداء على حرماتهم تحت ذريعة "الأمن الوطني" أو قانون الطوارئ الذي حول البشر إلى قطيع في "عزبة" الحاكم. كما طالت الإجراءات التعسفية في تلك البلدان حرية الرأي، وأصبح كل رأي مخالف لمزاج السلطة رأياً "كافراً" وجاحداً ولابد من إخراس صاحبه أو قطع لسانه أو قطع رزقه. وبذلك سقط العديد من الإعلاميين الشرفاء في ساحات الظلم، فقط لأنهم قالوا كلمة الحق التي يضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وحرمت بعض الأنظمة قيام مؤسسات المجتمع المدني بعملها، حتى يظل المجتمع متشرذماً وغير قادر على الدفاع عن مصالحه وحقوقه، بل إن القوانين المنظمة لعمل الجمعيات المدنية تعد جائرة إذ تمنح الدولة حق إغلاق تلك الجمعيات في أي وقت ودون إبداء السبب. كما تم التلاعب بحق الإنسان في المشاركة السياسية وإدارة شؤون البلاد، فظهرت المجالس الصورية المعينة، وتلك التي " يتلاعب" الحزب الحاكم بنتائج انتخاباتها. فصار الحكم مطلقاً وتم تغييب الشعب عن إدارة شؤونه، في مخالفة واضحة لحقوق الإنسان. كما لعبت الأجهزة التنفيذية دوراً مهماً في إقصاء المثقفين والمتنورين والإعلاميين، فقط لأنهم غير تقليديين أو لأن لهم نظرة إصلاحية مستنيرة في إدارة الشأن الثقافي والإعلامي والفكري. واعتادت أجهزة الأمن اتهامهم بالتآمر ضد مصلحة الوطن أو التخابر مع دولة أجنبية، وهذا تدخل سافر واجتراء على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أن بعض الدول لجأت إلى وضع قوانين متعارضة مع هذا الإعلان، خصوصاً ما يتعلق بحرية الإنسان وسلامته الشخصية وأمنه الاجتماعي والوظيفي. لهذا كله، ثارت الشعوب رغم أنها تحملت فترات طويلة في ظل حكم شخص واحد، فظهر بعض الرؤساء يقدمون تنازلاتهم، لكن في الدقائق الأخيرة! لقد انطلقت الشرارات وبدأت تكبر وتتوسع، ومالم تقم الدول العربية بتعديل قوانيها ومسالكها- وفق المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها- فإن هذه الشرارات قد تزداد وتكبر، إذ أن كل الشعوب تتحمل وتصبر، لكن ليس إلى الأبد! لقد سقطت أنظمة عربية لا يعلى عليها في القوة البوليسية، وها هي أنظمة أخرى تتهاوى، وقد بدأ المجتمع الدولي يساهم في إضعافها. والعبرة في كل ذلك أنه لابد من تغيير النظرة للمواطن العربي، إذ لم يعد فرد القطيع الرابض في خلفية الحديقة!