أسباب تراجع جولدستون... والتكلفة الخفية للطاقة النووية هل ثمة أجندة أصولية للثوار الليبيين؟ ولماذا تراجع جولدستون عما توصلت إليه لجنته من نتائج بشأن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة؟ وماذا عن الجانب الخفي من تكلفة الطاقة النووية؟... تساؤلات تعكس أهم القضايا الرئيسي الواردة في الصحافة البريطانية هذا الأسبوع. الجهاديون والثورات في إحدى المقالات التحليلية الرئيسية المنشورة بعددها الأخير، قالت مجلة "ذي إيكونومست" عن المزاعم المحيطة بالانتفاضة الليبية، إن الأمر قد يبدو بديهياً ومؤكداً لما يقال عن أن المجاهدين العرب الأفغان سابقاً هم الذين يتولون إدارة معسكرات تدريب المتمردين في منطقة شرق ليبيا اليوم. وفي ذلك الاعتقاد ما يؤكد مزاعم العقيد القذافي القائلة إن ما يسمى بالثورة الليبية ليست سوى مؤامرة يدبرها وينفذها تنظيم "القاعدة". غير أن هناك زاوية أخرى يجب النظر من خلالها إلى ما يحدث في ليبيا وغيرها من الثورات العربية التي شهدتها مؤخراً مجموعة من الدول العربية المسلمة. فالبنسبة لليبيا، من الملاحظ أن الثوار الجهاديين يؤيدون تدخل حلف شمال الأطلسي وانحياز قواته إلى جانب الثوار ضد كتائب العقيد القذافي. بل وصف سفيان بن قومو -الذي قضى ست سنوات من الحبس في سجن جوانتانامو، والذي كان سائقاً لشاحنات أسامة بن لادن في السودان قبل سفره والتحاقه بمعسكرات التدريب التابعة لتنظيم "القاعدة" في أفغانستان- ضربات "الناتو" الجوية لكتائب العقيد بأنها "خير وبركة" على المسلمين. وقد ردد زميله عبد الحكيم الحصادي الفكرة نفسها واصفاً ضربات الناتو الجوية هذه بالممتازة، على الرغم من أنه يعد أحد قادة التمرد الليبي، وقد تلقى تدريباً سابقاً في معسكرات "خوس" الأفغانية، المعقل الرئيسي لأسامة بن لادن سابقاً في أفغانستان. ويؤكد عدد من هؤلاء المجاهدين السابقين أن نظرة حركاتهم وتنظيماتهم إلى الغرب قد تغيرت كثيراً الآن. ولكن ألم تكن هذه الجماعات على تحالف وثيق جداً مع الغرب أيام حركة المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفييتي في عقد ثمانينيات القرن الماضي، ثم جاءت هذه الجماعات نفسها لتنقلب على الغرب، وتتحول إلى أكبر مصدر صداع له فيما بعد؟ في الإجابة عن هذا السؤال، وفي معرض تأكيد تمايز حركة المجاهدين الليبيين عن تنظيم "القاعدة"، قال عدد من قادة التنظيمات الجهادية الإسلامية الناشطة بين الثوار الليبيين إن حركاتهم تختلف كثيراً عن تنظيم "القاعدة"، انطلاقاً من أن تنظيم "القاعدة" يستهدف بعملياته وخططه الغرب عموماً، في حين تسلط حركاتهم جهودها على مكافحة نظام ديكتاتوري يبطش بأمته ويسلبها حريتها. ولكن على رغم هذه التأكيدات، فقد بث موقع مجلة Inspire الإلكترونية، الناطقة بالإنجليزية باسم تنظيم "القاعدة"، افتتاحية أشاد فيها بالثورات العربية، واصفاً إياها بأنها تهز عروش الديكتاتوريات العربية المسلمة، وبأنها خير على المسلمين وشر على الإمبريالية الغربية في ذات الوقت. ومن رأي المجلة أن هذه الثورات فرصة ذهبية لتنامي دور الإسلام والمسلمين في تشكيل مستقبل سياسات بلدانهم. فهل هذا التحالف بين الحركات الجهادية والثورات العربية فرصة ذهبية بالفعل لصالح الديمقراطية؟ حقائق جولدستون تحت عنوان "تقرير جولدستون: أسئلة بلا إجابات"، نشرت "الجارديان" يوم أمس افتتاحية جاء فيها إن ما ورد من تراجع من جانب "ريتشارد جولدستون"-رئيس اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق في جرائم إسرائيل أثناء اجتياحها لقطاع غزة في عام 2009- عن اتهامه لإسرائيل بأن استهدافها العسكري للمدنيين أثناء غزوها لغزة كان مسألة سياسية تتبعها إسرائيل، يعد من نوع الأخطاء التي يصعب الاعتراف بها في هذا العصر الرقمي الذي تنتشر فيه المعلومات والأخبار بالثانية وليس بالساعة أو اليوم. وربما استحق "جولدستون" إشادة بنزاهته واعترافه بخطأ ورد في تقرير لجنة تولى رئاستها. غير أن هذه الإشادة نفسها تصحب معها شكوكاً في بقية ما ورد من حقائق توصلت إليها اللجنة في تقريرها الذي حوته 575 صفحة كاملة. والمعلوم أن تلك اللجنة الدولية التي ترأسها كانت مكلفة بتقصي الحقائق، ولم تكن لجنة قضائية من مهمتها الإدانة وإصدار الأحكام. وكان كل الذي فعلته اللجنة هو توفير أدلة تحصلت عليها وعرضها من أجل المزيد من التحري فيها. إذاً فما الذي دعا جولدستون إلى التراجع عما توصلت إليه لجنته؟ والإجابة هي ثلاث حقائق أساسية، دفعت جولدستون إلى ما أعلنه مؤخراً. أولاها قصف منزل أدى إلى مقتل 22 فرداً من عائلة واحدة، وقد تبين للسيد جولدستون أن تلك الحادثة كانت نتيجة لتفسير خاطئ من قبل أحد القادة الإسرائيليين لأوامر بالقصف الجوي، وثانيتها أن التحقيقات لا تزال تجرى مع الضابط المسؤول عن القصف، وثالثتها أن إسرائيل حققت بعد ذلك بما يزيد على 400 اتهام آخر متعلقة جميعها بمزاعم أخطاء وسوء سلوك عملياتي. وقال جولدستون إنه وفيما لو تبينت له هذه الأسباب الثلاثة أثناء قيام لجنته بما كلفت به من تقصي حقائق ما جرى أثناء الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة، لما جاءت نتائج التقرير على النحو الذي نشرت به. غير أن اثنين على الأقل من أعضاء اللجنة لا يوافقان رئيسهما السابق في تغيير موقفه من النتائج التي خرجت بها لجنته: حنا جيلاني، الذي سبق له أن عمل في لجنة تقصي حقائق مشابهة في دارفور، ومن رأيه أنه لم يطرأ أي تغيير جوهري على نتائج التقرير الأصلي، ثم ديزموند ترافيرس، خبير في التحقيقات الجنائية الدولية، وهو أيضاً يرى أن ما توصل إليه التقرير من نتائج لا يزال صحيحاً. ومضى كلاهما في تفنيد الواقعة الرئيسية التي استند إليها جولدستون في التراجع من موقفه، ونفيا أن يكون قد تغير شيء فيما توصلت إليه اللجنة في شأن تفسير حادثة قصف المنزل الذي راح ضحيته 22 فرداً من عائلة واحدة. التكلفة الخفية هذا ما تناوله الكاتب توماس نويس في مقال تحليلي له نشرته صحيفة "الجارديان" الصادرة يوم الاثنين الماضي. وقد بني المقال على تعليق مثير للجدل نسب إلى جورج مونبيوت قال فيه إن كارثة محطة فوكوشيما النووية اليابانية تؤكد اعتقاده- باعتباره ناشطاً بيئياً- أن الطاقة النووية تعد جزءاً من حل مشكلة خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ويقول الكاتب تعليقاً على هذا الزعم: غير أن التكلفة غير المنظورة لهذه الطاقة تثير شكوكاً كثيرة حول ازدهار محطات الطاقة النووية في المستقبل. وإذا كانت فوائد وتكلفة إنشاء هذه المحطات متعادلة كما يزعم "مونبيوت" وغيره من المتحمسين لها، فلماذا يغيب المستثمرون في إنشائها؟ والحقيقة أن ارتفاع تكلفة إنشاء هذه المحطات وتشغيلها -التكلفة المرئية وغير المرئية- هي من الارتفاع إلى حد لا يشجع المستثمرين على المغامرة فيها برؤوس أموالهم دون توفر ضمانات قوية لاستثماراتهم من قبل حكومات الدول. وحتى في حال توفر هذه الضمانات الحكومية، فإن في تكرار حوادث انفجار المحطات والمفاعلات -مثلما حدث في كارثة تشيرنوبل السوفييتية، وكذلك ما حدث لمحطة فوكوشيما اليابانية مؤخراً بسبب الهزات والتسونامي، ما يثير شكوكاً كبيرة حول ازدهار موارد الطاقة النووية، في المستقبل القريب المنظور على الأقل. ولو اقتصرت تكلفة الحوادث الطارئة التي تتعرض لها هذه المحطات على الجانب المادي وحده، لما ازداد الخوف من بناء محطات نووية في المستقبل، بيد أن هذه التكلفة غير المنظورة تصل إلى إزهاق أرواح الآلاف من المواطنين، وتعريض مدن ومناطق بأكملها لخطر الإشعاع النووي. وهذا ما لا تستطيع أي حكومة في العالم، مهما بلغت قدراتها ومستوى تطورها التكنولوجي، توفير أي ضمانات له. إعداد: عبدالجبار عبدالله