في الوقت الذي بقت إسرائيل خارج اللعبة، في مجريات أحداث الشرق الأوسط، ولم تخرج كلمة إدانة لها، وهي التي عادت من جديد إلى الساحة الضيقة بالقصف والقصف المضاد على غزة، والذي دار بعد فترة وجيزة من إعلان عباس عن استعداده للذهاب إلى غزة، لإتمام المصالحة الفلسطينية التي لم تعد تحتمل زمناً آخر من الانتظار، وفي وسط هذه الأجواء اللامستقرة في العالم العربي، يبدو أن إسرائيل تريد أن تخلط كافة الأوراق في الوقت الذي لا يملك العرب قراراً واحداً أو إجماعاً نافذاً نظراً لانشغال الكل بالزلازل السياسية التي طالت العديد من الدول العربية في ظرف قياسي وآني، قد يساوي بعض العقود إن لم نقل أكثر نظراً لما كان عليه الوضع قبل أشهر. بعد أن رفضت حركة "حماس" السماح للوفد الإداري الأمني الرئاسي من الضفة الغربية بالدخول إلى قطاع غزة تمهيداً لزيارة عباس المزمعة للقطاع، أعلن مسؤول إسرائيلي مباشرة بأن "تل أبيب ستقاطع السلطة الفلسطينية إذا دخلت حماس الحكومة". إن هذا الموقف الذي يتماهى مع نتائج موقف "حماس" من عملية الزيارة التصالحية يربك كل الأطراف التي لها يد في عدم الوصول في هذه الفترة الحرجة من حياة الأمة العربية إلى الصلح التام بين كل الفصائل الفلسطينية وليس الفصيلين الرئيسيين "فتح" و"حماس" فقط. وللسياسة الإسرائيلية دور مباشر في إبقاء الوضع على ما هو عليه لأن العيون في هذه الأيام المقلقة بعيدة عما يحصل على الأرض، لأن الأخبار مركزة على الساحات الأخرى والتي تشهد حراكاً لا مثيل له مقارنة بكل ما حدث في الماضي من ثورات وتغييرات أبطأ من حركة السلحفاة. غريب ألا تكون المصالحة حالياً غير مرحب بها حمساوياً ولا إسرائيلياً، فالطرف الإسرائيلي مصر على تجاوز "حماس" وهو شرط معجز للسلطة الفلسطينية التي بادرت باستعدادها للزيارة المرتقبة، وأمر مخجل جداً إذا ما رفضت "حماس" هذه الدعوة للإصلاح بدل الفرقة والتشرذم والانقسام، خاصة أن الأجواء العربية ملبدة بالكثير من المنغصات على الأرض بمختلف تضاريسها الجيوسياسية. المصالحة التي كانت مربوطة بالقاهرة المنشغلة بذاتها لم تعد صالحة لراهنية الظرف الطارئ، لذا انتقلت المبادرة إلى السلطة الفلسطينية التي تواجه عقبات حمساوية وإسرائيلية في آن واحد، وهو الأمر المحير لصانع السياسة الخاصة بعملية سلمية شاملة سوف يطول زمن التطرق إليها حتى يثبت ما وراء الأفق العربي من تغييرات لم تخطر على بال المراقب الحصيف فضلاً عن الرقيب اللصيق. فالطريق الفلسطيني لم يعد ممهداً للسير قدماً نحو الأهداف التي رسمت لها قبل عام 2011، وفي المدى المنظور فإن الملف الفلسطيني الشامل أو المجزأ لن يواصل تقدمه حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود للفجر العربي الجديد. وحتى يبزغ هذا اليقين، فإن المصالحة الفلسطينية ستبقى مرهونة بين مطالب إسرائيلية تعجيزية وشروط فصائلية فلسطينية تزيد الأمور تعقيداً بدل الانفراج الملح في هذا الوقت الصعب من عمر العرب.