إذا ما كانت ثمة شكوك حول المهارات السياسية لفريق البيت الأبيض الجديد بقيادة كبير موظفيه "ويليام دالي"، فإن هناك من الأسباب المستجدة ما يدعو للقول إن تلك الشكوك لها ما يبررها في الواقع. ففي الآونة الأخيرة، كشف مكتب الميزانية بالكونجرس، أن مقترحات الميزانية العامة المقدمة من أوباما قد أخطأت في تقدير العجز المالي بمقدار 2.3 مليار دولار (أقل)، والذي سيتبلور على مدى السنوات العشر القادمة، حيث تبين بعد التدقيق أن العجز سوف يتجاوز نسبة 4 في المئة من إجمالي الدخل القومي سنويا، وأن الدين الفيدرالي سوف يرتفع ليصل 87 في المئة من الحجم الكلي للاقتصاد، وأن خطط ميزانية أوباما تقدم مثالاً حياً على انعدام المسؤولية! ورغم ذلك الإخفاق فإن أوباما نجح في محاصرة الجمهوريين في زاوية ضيقة خلال المفاوضات التي تجري بشأن الميزانية. فبقبوله بإجراء خفض قيمته 33 مليار دولار خلال الفترة المتبقية من 2011، استطاع إمساك العصا من منتصفها واستغلال الانقسام داخل الجمهوريين، وهو ما مكن الإدارة من تحويل أدائها الضعيف بشأن تقديرات الميزانية إلى موقف سياسي قوي. والشيء الذي جعل ذلك ممكناً هو استعداد أوباما للتخلي عن التقدميين في الكونجرس، حتى قبل أن يبدأ الصراع مع الجمهوريين بشأن الميزانية، بحيث يمكن القول إن الديمقراطيين خسروا المعركة غير أن الجمهوريين لم يكسبوها بعد. هذه المناورة من جانب أوباما وضعت رئيس مجلس النواب "جون بوهنر" في نفس الموقف الذي كان يسعى جاهداً لتجنبه. فلا أحد ينكر أن العرض الذي قدمه أوباما أكثر من معقول، خصوصاً إذا ما تذكرنا أن الموقف التفاوضي الأساسي للجمهوريين في فبراير الماضي كان يسعى لإقناع الرئيس بالموافقة على إجراء خفض بـ30 مليار دولار فقط وليس 33 ملياراً. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن الجمهوريين يسيطرون على مجلس النواب فقط، فالشيء المفترض هو أن ينظروا إلى مثل هذا الاقتراح الذي قدمه أوباما على أنه انتصار لهم. لكن ليس هذا ما يتطلع إليه الجمهوريون، فهم يتطلعون للدخول في مواجهة مع الحكومة تؤدي إلى تعطيلها عن العمل، أي يفضلون العراك على النصر. وهذا الخيار من جانب الجمهوريين، و"بوهنر" خاصة، يحمل في طياته تداعيات خطرة. فبدلاً من أن يؤدي لتعطيل الحكومة كما يأملون، فإنه يمكن أن يسفر عن مزيد من التصدع في صفوف الجمهوريين المنقسمين أصلاً إلى كتلتين: كتلة يقودها النائب بول رايان، الرجل الذي صاغ مقترحات ميزانية 2012 المقدمة من قبل حزبه في مجلس النواب. والكتلة الثانية هي المكونة من النواب الجدد الذين انضموا للمجلس في انتخابات نوفمبر الماضي، وهي كتلة مصممة على تحقيق مزيد من الوفورات في ميزانية 2011 أو السعي في نهاية المطاف لتعطيل أعمال الحكومة. وفي مواجهة هذا الانقسام فإن المهمة الأولى لبوهنر هي إقناع النواب الجمهوريين بالاكتفاء من الديمقراطيين بصفقات جيدة حول الجزء الباقي من هذا العام، ثم التركيز على الصراع الذي سيتم العام المقبل على الميزانية الجديدة، والذي سيكون أكثر صعوبة بكثير وستترتب عليه نتائج شديدة الدراماتيكية. مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"