لعدة أسابيع مضت، والمدنيون المسالمون في ليبيا يتعرضون، ولمجرد أنهم رفعوا الصوت مطالبين بحق تقرير مصيرهم ومصير بلدهم بأنفسهم، لهجمات القذافي الذي عبّر بوضوح عن نيته في الانتقام بحمام دم ضد معارضيه. وقد تم توجيه عدد لا يحصى من النصائح والإنذارات إلى النظام الليبي. ففي 25 فبراير علّقت الجمعية العامة للأمم المتحدة عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان. وفي اليوم التالي، أعلن مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة أن "الهجمات الحاصلة ضد المدنيين يمكن أن تشكل جرائم ضد الإنسانية"، وقد طلب المجلس من المحكمة الجنائية الدولية القيام بتقييم هذا الأمر. وقد تم تمرير قرار بالإجماع يحث النظام الليبي على الوفاء بالتزامه حماية المدنيين. كما أصدرت المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب حكماً بالإجماع يطالب فيه النظام الليبي بالوقف الفوري لأي عمل قد تنتج عنه خسائر في الأرواح وانتهاك لسلامة الناس الجسدية. لكن كل ذلك كان دون جدوى في إيقاف ما يقوم به النظام الليبي بحق مواطنيه المدنيين. ولم يكن من الممكن للمجتمع الدولي أن يسمح بالقمع الوحشي من جانب القذافي ضد السكان المدنيين. وإثر النداءات التي وجهها كل من مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية بغية إنشاء منطقة للحظر الجوي فوق ليبيا، اعتمد مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1973، والذي يمنح تفويضاً واضحاً باستخدام كافة الوسائل اللازمة لحماية المدنيين الليبيين من بطش الآلة العسكرية التابعة للقذافي وكتائبه الأمنية. إن قمة باريس المنعقدة في 19 مارس، بمشاركة أمين عام الجامعة العربية، وممثلي كل من المغرب والأردن والعراق وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وعدة دول أخرى، وجهت رسالة واضحة لمن يهمه الأمر في طرابلس. وقد قررنا سوياً ضمان تطبيق قرار مجلس أمن الأمم المتحدة، مطالبين بالوقف الفوري لإطلاق النار ووضع حد تام للعنف الموجه ضد المدنيين في ليبيا. وفي يوم 19 مارس، كان من شأن التدخل الذي قامت به فرنسا في بنغازي أن حال دون حدوث حمام من الدماء. وأود أن أوضح هنا أن فرنسا، بمشاركتها في العملية العسكرية في ليبيا، ليس لديها أي هدف فيما عدا حماية السكان الليبيين. وضمن التحالف الدولي الواسع، والذي يشمل أيضاً كلاً من قطر والإمارات العربية المتحدة، فإننا ننقذ المئات من الأرواح، ووجودنا هناك ليس لأهداف اقتصادية. إن واردات فرنسا من النفط الليبي لا تتجاوز 6 في المئة من مجموع وارداتها النفطية. كما أن تدخلنا الحالي في ليبيا ليس بهدف فرض نتيجة نهائية على الشعب الليبي، بل بدافع العمل باسم الضمير العالمي الذي لا يمكن أن يقبل جرائم كهذه. إنه لا يمكن حرمان الناس من حقوقهم باستخدام وسائل العنف والرعب. وقبل ذلك، كانت فرنسا من بين أول من تدخل على الأرض من خلال إيفاد مهمة إنسانية منذ البداية إلى بنغازي، إضافة إلى طائرات مع حوالي 20 طبيباً وإمدادات طبية على متنها. والسؤال الآن: ما هي الخطوات المقبلة؟ مرة أخرى، دعوني أوضح أن مستقبل ليبيا يعود لليبيين. نحن لا نريد أن نأخذ قرارات بدلاً عنهم. إن سلامة الأراضي الليبية مبدأ آخر غير قابل للمفاوضة بالنسبة لنا. إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) مكلّف بقيادة العملية العسكرية الجارية هناك الآن، وذلك بعد أن اتضح أنه المنظمة الأنسب لهذا الغرض. وبالطبع تبقى هذه العملية تحت وصاية الأمم المتحدة، وستستمر إلى أن تتحقق أهداف قرار مجلس الأمن رقم 1973، أي إلى أن يصبح السكان المدنيون خارج الخطر والتهديد. والأمر المهم هو وجود مجموعة اتصال من حوالي 20 دولة ومنظمات دولية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي. إن مجموعة الاتصال هذه مكلفة بمتابعة التطورات على المستوى السياسي والتفكير والمبادرة الاستراتيجية لتسهيل العملية السياسية، وبالطبع فإن "الناتو" لا يمكنه لعب هذا الدور. وقد اجتمعت هذه المجموعة مؤخراً في لندن وستجتمع مجدداً في الدوحة خلال الأيام المقبلة وبعد ذلك في إيطاليا. إن التدخل العسكري ليس هدفاً بحد ذاته. وحدها العملية السياسية بإمكانها أن تؤمن حلاً دائماً. يعود لليبيين تولي هذه العملية السياسية وتحديدها ومواصلتها إلى النهاية. إن الليبيين هم الذين سيختارون مستقبلهم، ونظامهم السياسي، وبالطبع ليس التحالف الدولي هو من سيقوم بذلك. كما بإمكاننا المساعدة في هذه العملية من خلال تعزيز المجلس الوطني الانتقالي. لقد كنا أول من أعلن الاعتراف به كشريك شرعي في التفاوض. كما أن قطر اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي. وقام المجلس الأوروبي بإعلان مشابه في بروكسيل. يجب إنشاء حوار وطني شامل حول المجلس الوطني الانتقالي. وأخيراً، بإمكان المجتمع الدولي المساعدة أيضاً من خلال تقديم الدعم الإنساني السخي. فالوضع الإنساني هناك هش للغاية، كما نعلم، وقد تدهور في عدة أماكن من الشرق الليبي كما في الغرب أيضاً. وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، تعهدت جميع الدول الحاضرة، إضافة الى الاتحاد الأوروبي، بمضاعفة جهودها على المستوى الإنساني. وكما هو معلوم، فإن هذا العمل يشكل أولوية قرر الاتحاد الأوروبي التركيز عليها. وفي الختام، أود أن أشدد على عزم فرنسا القوي على البقاء إلى جانب الشعب الليبي لمساعدته في تحقيق تطلعاته وبناء مستقبله ومؤسساته ضمن إطار ديمقراطي حقيقي. إن فرنسا ستواصل مساعدتها لليبيين كي يتمكنوا من إعادة بناء بلدهم، وذلك مع الاحترام الكامل لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها. ألان أزواو سفير الجمهورية الفرنسية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة