مع بروز دور مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني باعتبارها أنجع وأقوى وسيلة عبر شبكة الإنترنت، تعزز الأجهزة الفيدرالية المنظمة القواعد الكفيلة بالحد من قدرة الشركات الموفرة للخدمة الإلكترونية على استغلال المعلومات الشخصية التي تحصل عليها من عملائها. والتسوية التي أبرمت مع شركة "جوجل" مؤخراً ليست سوى مثال واحد فحسب على هذه الإجراءات. ففي أول تسوية قانونية من نوعها، أعلنت "اللجنة التجارية الفيدرالية" عن موافقة "جوجل" على اتخاذ إجراءات جديدة أكثر تشدداً لتعزيز حماية مستخدمي موقعها. بل وافقت الشركة على إخضاع حساباتها لمراجعين مستقلين خلال العشرين عاماً المقبلة، حتى تؤكد التزامها بالقوانين والقواعد المنظمة لاستخدامات الشبكة. وتضع هذه التسوية حداً للمزاعم القائلة بأن شركة "جوجل" تستخدم تكتيكات وأساليب مضللة في استقطاب مستخدمي موقع بريدها الإلكتروني "جي ميل" لخدمة موقعها الاجتماعي التابع "بز"، الذي يعتبر منافساً قوياً لموقع "فيسبوك". فعن طريق التسجيل لموقع "بز" يكون قد وافق كثير جداً من مستخدمي البريد الإلكتروني "جي ميل" دون علمهم أو رغبتهم على الكشف عن أسماء ومعلومات أولئك الذين تبادلوا معهم الرسائل الإلكترونية بكثرة خلال العام الماضي. وقالت اللجنة التجارية الفيدرالية إن هذه هي المرة الأولى التي تطالب فيها الحكومة إحدى الشركات المستثمرة بوضع سياسات مشددة لحماية خصوصية عملائها بغية حماية سرية معلوماتهم. وعلى حد قول جون ليوبوفيتز –رئيس اللجنة التجارية الفيدرالية- فإن على الشركات أن تحترم التعهدات التي تقطعها على نفسها بحماية خصوصية عملائها. جاء ذلك في تصريح له يوم الأربعاء الماضي، أثناء إعلانه عن شروط التسوية التي تمت مع موقع جوجل الإلكتروني. ووصف ليوبوفيتز هذه الشروط بأنها قاسية جداً، وقد قصد منها ضمان احترام "جوجل" لتعهداتها والتزامها بخدمة عملائها على النحو المطلوب، فضلاً عن ضمان التزامها ببناء استراتيجيات حماية قوية لخصوصية عملائها، وتطبيق هذه الاستراتيجيات على كافة عملياتها الاستثمارية في هذا المجال. ويقول المدافعون عن خصوصية مستخدمي الشبكة الإلكترونية إن لهذه التسوية تضمينات تذهب بعيداً جداً عن شركة "جوجل"، خاصة وأن البحث الإلكتروني والتواصل الاجتماعي الشبكي يعتمدان اعتماداً كبيراً على استغلال المعلومات الخاصة بالمستخدمين في بيع الإعلانات من قبل الشركات المستثمرة في المجال الإلكتروني. فعلى سبيل المثال، يتعمد موقع فيسبوك استهداف مستخدميه بمبيعات الإعلانات التي تروج للموسيقى والأفلام اعتماداً على ما يذكره المستخدمون من أفضليات وميول للمواد المتنوعة المبثوثة عبر الموقع. وكما هو معلوم فإن موقع "جوجل" يستطيع أن يبحث في محتويات رسائل البريد الإلكتروني "جي ميل" سعياً وراء التقاط كلمات أساسية بعينها مثل "التخييم"، كي تستهدف من يذكرون هذه العبارة في رسائلهم بالحملات الإعلانية المنظمة لعشاق التخييم مثلاً. وعلى حد قول جوزيف تيرو –أستاذ بكلية أننبرج للاتصالات بجامعة بنسلفانيا- فإن من شأن الإجراءات الجديدة التي فرضتها اللجنة التجارية الفيدرالية أن تحد من قدرة شركات التواصل والإعلام الاجتماعي أن تستغل المعلومات الشخصية الخاصة بمستخدمي مواقعها، خاصة أن هذه الشركات عادة ما تستغل هذه المعلومات دون أن توضح للمستخدمين ما تنوي فعله بمعلوماتهم على وجه التحديد عادةً. بيد أن من رأي خبراء الخصوصية أن الخطوات التي اتخذتها اللجنة التجارية الفيدرالية مؤخراً تشير بوضوح إلى مشكلة عامة في القطاع الإلكتروني. ومن رأيهم أن غياب قوانين فيدرالية صارمة سمح للكثير من شركات التكنولوجيا بالتوسع في جمع كمية كبيرة من معلومات عملائها، دون الحصول على إذن صريح منهم بذلك، وفي غياب الإشراف الفيدرالي على حماية الخصوصية. يذكر أن الاتفاق الذي أبرم مع شركة "جوجل"، في وقت أطلقت فيه الشركة مجدداً يوم الأربعاء الماضي خدمة إلكترونية جديدة تدعى +1 تمكن المستخدمين من اختيار النتائج والإعلانات التي يتوصلون إليها من خلال بحثهم حتى يوصون بها أصدقاءهم ومعارفهم. وقد قصد من هذه الخدمة أن تنافس خدمات "فيس بوك" المشابهة، وتعزيز مكانة "جوجل" ودوره في مجال شبكات التواصل الاجتماعي. والفكرة التي تقوم عليها هذه الخدمة هي أن المستخدمين يثقون بالتوصيات التي يعثرون عليها في محتوى الصفحات التي يتصفحونها، أكثر من النتائج التي يصلون إليها عن طريق البحث الإلكتروني العشوائي. يجدر بالذكر أن الكثير من منتجات "جوجل" الأوسع شهرة، كانت عرضة لإجراءات رقابة مشددة، بل إن الشركة عوقبت على بعضها داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها على حد سواء. فعلى سبيل المثال، فرضت الحكومة الفرنسية على "جوجل" غرامة قدرها 100 ألف يورو –أي ما يعادل 141.300 ألف دولار أميركي- الأسبوع الماضي، عقاباً لها على جمع معلومات بطريقة غير مشروعة لخدمة "منظر الشارع" التي تقدمها الشركة لعملائها. وتسمح هذه الخدمة لمستخدمي الموقع برؤية ومسح الشوارع التي توفر الخدمة صوراً فوتوغرافية عنها، علماً بأن هذه الصور شملت عرضاً لمئات الآلاف من المنازل والمواقع الخاصة في مختلف أنحاء العالم. وفي العام الماضي، اكتشف المسؤولون الأميركيون أن السيارات المزودة بالكاميرات التي تستخدمها شركة جوجل، تمكنت كذلك من جمع معلومات من شبكات Wi-Fi بما في ذلك التقاطها لكلمات المرور السرية الخاصة بالمستخدمين، والرسائل الإلكترونية الخاصة، إضافة إلى تاريخ تصفح الشبكة من قبل كثير من المستخدمين. وكانت شركة "جوجل" قد نفت حينها معرفتها بجمع سياراتها الفوتوغرافية لتلك المعلومات، وتعهدت بمسح البيانات الشخصية التي تم التقاطها عن طريق الخطأ. وعلى أية حال، لا شك أن التسوية التي أبرمتها اللجنة التجارية الفيدرالية مع "جوجل" مؤخراً، تدل على قوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتعزيز حماية خصوصية مستخدميها. جيم بوزانجيرا وديفيد سارنو كاتبان أميركيان متخصصان في أمن الشبكة الإلكترونية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونال"