هل تلكأت واشنطن لعدة أسابيع قبل أن تقرر مد يد العون لمقاتلي الحرية الليبيين؟ وهل في وسع هؤلاء المقاتلين الاستفادة من الدعم الأميركي المقدم لهم في تحييد القذافي، الذي تلطخت يداه بسفك دماء المسافرين الجويين الأبرياء من قبل، ثم ها هو الآن يلطخهما بدماء مواطنيه الذين يشن هجمات وحشية عنيفة عليهم؟ فهذه هي بعض الأسئلة المحيرة التي لا بد من إثارتها في إطار مناقشتنا لتلكؤ عملية اتخاذ القرار في إدارة أوباما، والخلافات بين مستشاريه بشأن التدخل الأميركي في ليبيا، بينما حل الدمار بهذه الأخيرة وسالت دموع شعبها. يذكر أن توماس دونيلون، مستشار الرئيس للأمن القومي، كان قد حذر من التدخل بقوله إن ليبيا لا تمثل مصلحة استراتيجية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة. ولكن السؤال الذي لا بد من توجيهه إليه هو: وماذا عن كون ليبيا تمثل مصلحة إنسانية حيوية بالنسبة لنا؟ وفي الوقت نفسه حذر مسؤولون كبار في"البنتاجون" من أن فرض منطقة الحظر الجوي في السماء الليبية سوف يتطلب الكثير من الوقت والتخطيط. ولكن ما الذي حدث في عام 1986، عندما أطلقت ليبيا أحد صواريخ SA-5 على إحدى حاملات الطائرات الأميركية؟ ألم تتمكن واشنطن خلال ساعات فحسب، من تدمير أو إغراق ثلاث سفن حربية ليبية، وتدمير أحد الرادارات الليبية المنصوبة في سواحلها، إضافة إلى تدمير عدد من قواعد إطلاق الصواريخ؟ فيما يبدو أن هيلاري كلينتون، هي التي أقنعت أوباما بضرورة التدخل في ليبيا، وبأن وقت الفعل وليس الحديث قد حان هناك، حسب التقارير التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" عن هذا الأمر. وبهذه المناسبة نذكر أن كلينتون قد وجهت انتقادات حادة أثناء حملتها الانتخابية الرئاسية في عام 2008 لمنافسها أوباما، قالت فيها إنه لن يكون قائداً مؤهلاً للاستجابة لمكالمة طارئة يتلقاها عن تطورات سياسية في دولة ما، في تمام الساعة الثالثة صباحاً. غير أن نبرة الانتقادات تلك قد خفت منذ ذلك الوقت، وتحولت كلينتون إلى مؤيدة قوية لسياسات أوباما الخارجية. غير أنها صرحت للصحفيين مؤخراً قائلة إنها لن تبقى في منصب وزير الخارجية فيما لو أعيد انتخاب أوباما لولاية رئاسية جديدة في عام 2012. وفي تفسير هذا التصريح، قال بعض أصدقائها المقربين إنها قد فترت من تولي المنصب. غير أن في هذا التصريح ما شجع البعض على تصور كيف كان لكلينتون أن تتصدى للأزمة الليبية فيما لو كانت قد فازت بالمنصب الرئاسي في انتخابات عام 2008. وكما هو دائماً من قدر القائد الأعلى للجيش الأميركي، فقد انهمرت الانتقادات على أوباما من كل صوب بسبب استجابته المتأخرة جداً لتطورات الأزمة الليبية الحالية. كما انتقد أوباما على عدم مشاورته لأعضاء الكونجرس بما يكفي، وكذلك على عدم مخاطبته لمواطنيه بما يتطلبه الأمر من صراحة ووضوح، إضافة لانتقاده على الإكثار من السفر إلى أميركا اللاتينية، في وقت كان مطالباً فيه بالبقاء ومتابعة تطورات الأزمة الليبية من مكتبه في واشنطن، باعتباره قائداً أعلى للقوات المسلحة. وعلى أية حال، فسوف يحكم المؤرخون فيما بعد على دور أوباما في إدارة هذه الأزمة. فإما صدر الحكم عليه على أنه دبلوماسي محنك قادته حنكته إلى تدخل أميركي حربي ثقيل في دولة شرق أوسطية، أو صدر الحكم عليه باعتبار أن استجابته تمثل فشلاً معيباً للقيادة الدولية الأميركية، وأنه جعل من البيت الأبيض مجرد تابع لقصر ساركوزي الرئاسي، خاصة وأن الرئيس الفرنسي هو الذي التقط زمام القيادة الدولية للأزمة الليبية. وعلى أية حال، فإن تعدد القوى الدولية المشاركة في التحالف الذي يدعم الثوار الليبيين، لا ينفي حقيقة أن القوة العسكرية الرئيسية المشاركة فيه هي قوة أميركية. وعندما انهمرت الصواريخ المئة الأولى التي انطلقت من السفن الحربية صوب الدفاعات الجوية الليبية، وكانت جميعها صواريخ أميركية باستثناء اثنين منها فحسب، فقد انقطع الشك في عظم حجم وقوة النيران الأميركية المشاركة في تدمير الدفاعات الليبية. ولكن هناك سؤالاً جوهرياً حول الهدف النهائي من هذه العملية بالطبع. وبما أن أوباما كان من أفصح الرؤساء الأميركيين وأكثرهم التزاماً فيما يبدو بإطلاق الحريات في العالم الإسلامي، فمن المنطقي أن نتساءل عن الهدف النهائي لعملية التدخل العسكري هذه في ليبيا. فبينما برر مجلس الأمن الدولي قراره بتحقيق هدف حماية المدنيين الليبيين من هجمات القذافي، يلاحظ أن أوباما قد دعا بوضوح إلى ضرورة ذهاب نظام العقيد. وعليه فإنه لم يتضح بعد، ما إذا كان تصريح أوباما هذا يعني الدعوة للإطاحة بنظام العقيد، وإلقاء القبض عليه، ثم إرساله إلى محكمة الجزاء الدولية لمعاقبته على الجرائم المروعة التي ارتكبها بحق مواطنيه. ولكن مما لا شك فيه أن تحييد القذافي بطريقة أو أخرى، يعد أنجع وسيلة ممكنة لحماية مواطنيه ومنحهم حريتهم. وبهذه المناسبة أذكر أن والدي كان قد جند للخدمة العسكرية وأدى ثلاث سنوات من عمله العسكري في شمال أفريقيا، كان معظمها في ليبيا. وعندما كنت صبياً ناقشته كثيراً في أن طبيعة عمله تتضمن القتل. ولكنه قال لي حينها إنه لن يتردد فيما لو كان القتل صائباً ومنسجماً مع ضميره الإنساني. وبتلك العبارات كان والدي لا يشعر بأنه يقاتل الألمان، بل كان يقاتل من أجل شعوب كثيرة كان القائد النازي هتلر قد هدد حياتها وحرياتها. وفيما لو كان أبي حياً وعسكرياً إلى اليوم، لتصورت أنه كان سوف يخوض المعارك دفاعاً عن حرية الشعب الليبي وكرامته الإنسانية في وجه عنف القذافي وطغمته الحاكمة. جون هيوز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مساعد وزير الخارجية في إدارة ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"